أ. د. محمد عبد الرزاق خضر . 19 سبتمبر, 2022, 1:41 AM
الاتِّجاهُ الحَدَاثِيُّ في تَجدِيدِ العُلُومِ الشَّرعيَّة
أُصُولُ الفِقهِ أُنمُوذَجًا
إعداد
أ. د/ محمد عبد الرازق خضر
الأستاذ المشارك بقسم الدراسات الإسلاميَّة- كلية الآداب جامعة أسيوط
الحمد لله الذي اصطفى من عباده من اهتَدَوْا، واصطفى من الصَّفوة سيدَ الخلق محمدًا خيرَ من تحضَّروا ومن بَدوا، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وعلى كلِّ مَن بهديه اهتَدَوْا، وبأثرهم اكتَفَوا، أما بعد:
فبِما أنَّ الشَّرِيعةَ الإسلاميَّةَ شريعةٌ خاتمةٌ؛ لذا جعلها الله عابرةً للأزمنة والأمكنة، ومواكبةً للنَّوازل والمستجدات، وهي رسالة واقعيَّة ربانيَّة وسطيَّة إنسانيَّة مصانة من التَّبدِيد والتَّحريف، فهذه الرسالة متجدِّدة لا تَخلُقُ على مرِّ العصور والدُّهور، لا تكدِّرها الدِّلاء فينابِيعُها صافية وظلالُها ضافية؛ ومن هنا يتضح أن التَّجدِيدَ كان همًّا واضحًا حاضرًا منذ بدءِ الوحي، ويظهر ذلك لمن يتتبَّع مراحلَ التَّشرِيع وتطوُّرَه، وكذلك السِّياقات التَّارِيخِيَّة للعلوم الإسلاميَّة، ومقاربات التَّجدِيدِ على مختلف مستوياتِه ومُقتضيَاتِه.
والمُتأمِّل يعلم أن التَّجدِيد حاجةٌ ملحَّة وضرورةٌ محتَّمة، وهذا ما يقتضيه مزاج العصر، وسرعة الحياة؛ لأن القضايا لا تناهِي لها، والأزمان تتغيَّر والأحوال تتبدَّل؛ لذا كان التَّجدِيد لا بد منه في شتَّى العلوم الإنسانيَّة لا سيَّما علم أصول الفقه؛ الذي هو ينبوعُه الصَّافي ومادَّته الخَصبة، وبغير هذا العلم لا يمكن للتَّجدِيد أن يكون قائمًا.
وبما أن محاولات التَّجدِيد والدَّعوة إليه منها: ما سلك اتِّجاهَ الإلغاءِ وابتكارِ قواعدَ جديدة لضبط الفهم فسلك مسلَكَ الهدم والتَّبدِيد لا التَّجدِيد.
ومنها: اتِّجاهٌ ارتضى الجُمود والوُقوف على كلام السَّابقين من غير تغييرٍ ولا تعديل ولا إصلاح ولا تطوير؛ خوفًا منهم على أصول الشَّرِيعة، وكلَا المنهجين مرفوضٌ عند التَّأمل والنَّظر.
وهناك اتِّجاهٌ ثالثٌ سلك مسلكَ الوَسَط بين الاتِّجاهين، فلم ير الإلغاء ولا الجمود، وكان وسطًا بين التَّبدِيد والتَّنديد، ورأى أن التَّجدِيد لا بد منه منطلِقًا من ضوابطَ ومعالمَ لا تُلغِي القديم بل تُعيد إليه جِدَّته ورَونَقه؛ لذا آثرتُ أن أكتب بحثًا في هذا الموضوع؛ تجليةً لغوامض هذا الأمر، وبيانًا لما أشكل فيه، ونزولًا من سماء النظريات إلى أرض العمل والتطبيقات؛ مُركِّزًا على الشُّبه التي أثارها أرباب اتِّجاه الإلغاءِ والتَّبدِيد والردّ عليها، وبيان أن التَّجدِيد لا يكون على إطلاقه بل ينطلق من محدّداتٍ وضوابطَ ومعتبرة، فكان هذا العنوان: الاتِّجاهُ الحَدَاثِيُّ في تَجدِيدِ العُلُومِ الشَّرعيَّة؛ أُصُولُ الفِقهِ أُنمُوذَجًا.
أسباب اختيار البحث:
والذي دعاني للكتابة في هذا الموضوع أسبابٌ من أهمِّها:
1- إنَّ عامَّةَ المحاولاتِ التي كُتبت في هذا الصّدد كان جلّ اهتمامِها بالتَّنظير، ولم تنزل للواقع العمليّ والتَّطبيق الفعليّ.
2- إنّنا ما زلنا نفتقر إلى كفايةٍ نظريةٍ وعمليةٍ؛ لكي يكون أُنمُوذَجًا صالحًا للتَّجدِيد.
3- إنَّ كلمةَ التَّجدِيد كلمةٌ ضبابيّة تحتاج إلى ضبطٍ وبيانٍ لطبيعة التَّجدِيد وما يصلح فيه التَّجدِيد وما لا يصلح، وهذه محاولةٌ لحصر المفهوم ومحاصرَتِه.
إلى غيرها من الأسباب الرئيسة التي دَعَتني إلى الكتابة في هذا الموضوع؛ علمًا بأنني لم أشغل كثيرًا بتحليل المحاوَلات والمقاربَات التَّجدِيدية تفصيلًا، لكن أردت الوقوف على مضمون هذه المقاربَات استقراءً، وكذلك فإنَّني أرجو أن تكون هذه المقاربَة لبِنَةً في بناء التَّجدِيد المنشُود، وترشيدًا للجُهد المبذُول في هذا الأمر.
منهج البحث:
سلكت المنهج الاستقرائيّ التّحليليّ النّقديّ؛ فإنني قمتُ باستقراءِ ما تيسَّر مما كُتب في هذا الأمر، ثم حلَّلته وميَّزت بين خطئِه وصوابِه، وذلك بذكر خلاصة ما وقفت عليه من غير تفصيل لكل محاولة، وقد أذكر بعض النَّماذج تمثيلًا لا حصرًا.
خطة البحث:
اقتضَتْ طبيعةُ هذا البحث أن يكون في مقدمةٍ وتمهيدٍ وثلاثةِ مباحث وخاتمة.
شملت المقدّمةُ أهميةَ الموضوع وأسبابَ اختياره والمنهجَ والخطةَ.
واحتوى التَّمهيد على تعريفٍ لمفهوم التَّجدِيدِ لغة واصطلاحا.
وجاء المبحث الأول في ذكر الاتِّجاه الحَدَاثِيّ في تَجدِيدِ علمِ أُصُول الفِقهِ، وبيان شبهِه والرّد عليها.
المبحث الثَّاني: محددات التَّجدِيد وضوابطه.
المبحث الثَّالث: الرُّؤية المستقبليَّة لآفاق وأنماط التَّجدِيد في علمِ أُصُول الفِقهِ.
ثم جاءت الخاتمة بها أهم النتائج والتوصيات.
أسأل الله الإخلاص والقبول والسَّداد والرَّشاد والعون والتوفيق، والهداية لأقوم طريقٍ، كما أسأله سبحانه أن يبصرنا بأمورِ ديننا ويلهِمنا رشدنا ويُيسر لنا أمرنا، ويَقينا شرّ أنفسنا، وأن يُعيننا على دنيانا بميسرة وعلى آخرتنا بمغفرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تعريف التَّجدِيد لغة واصطلاحا:
قبل الخوض في تعريف التَّجدِيد لابد أن يُعلم أن هذا المصطلح من المصطلحات الواسعة التي تحتوي على كثيرٍ من التّفصيلات، وهي تُعرف عند المناطقة بالمُشكِّكَة، فليس للتَّجدِيد حدٌّ دقيق يُحدُّ به كما يُحدُّ البيع أو النِّكاح أو غيرها من المصطلحات المحدَّدة؛ ولذلك فإن المصطلحات المعروفة ذات التَّفاصيل المتَّعددة يصعب حدُّها وتعريفها، لكن أقرب ما يُعرَّف به أن يكون التَّعريف من قبيل المثال أو السَّبر والتَّقسيم، وعلى كلٍّ فإنَّنا نذكر تعريف التَّجدِيد لغةً، ونُحاول أن نعرِّفه بالمقاربَة اصطلاحًا.
أولا- التَّجدِيد لغةً واصطلاحًا:
أ- التَّجدِيد لغةً: مصدر جدَّدَ يجدِّد تجديدًا، وهو ضدّ القديم، وجدَّده: استَحدثَه وصيَّره جديدًا([1])، سواء أكان من المحسوسات أم المعنويّات.
فمادة فَعَّل تأتي في اللغة بمعنى: صَيّر، يُقال: أمَّره، أي: صَيّره أميرًا، ومنه قوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}([2])، أي: صيَّرنَاه يسيرًا، ومنه قوله تعالى أيضًا في قراءة الكوفيِّين: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}([3]) بالتَّشديد([4]).
فالمتأمّل في كتب اللغة يجد أن التَّجدِيد مصطلحٌ عربيٌّ، ومما يدلّل على ذلك قولُ زُهَير:
هم جدَّدُوا أحكامَ كلِّ مضلةٍ |
| من العُقمِ لا يلفَى لأمثالها فصلُ([5]) |
وجاءت بلفظ المصدر في شعر المُتنبّي في قصيدته المشهورة، وإن كان من الطّبقة الرّابعة فلا يُحتجّ بشِعرِه عند البَصريِّين([6]):
عيدٌ بأيةِ حال عُدت يا عيدُ | بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديدُ([7]) |
وبالاستقراء فهو في اللُّغة لا يخرج عن ثلاثة أمور:
الأمر الأول: مناقضةُ البِلَى ومخالفةُ القديم أو إحيائِه واستحداثِه.
الأمر الثاني: العظمة والغنى.
الأمر الثالث: الاجتهاد في الأمور، أي: إعمال الفكر والعقل وبذل الجهد([8]).
خلاصة القول: إنَّ الجديد بمعنى الحديث، وأنَّ كلمة التَّجدِيد تبعث في النَّفس الإعادة والتَّرميم والتَّعمير.
ب- التَّجدِيد اصطلاحًا: يظهر ارتباطٌ وثيقٌ بين التَّعريف اللّغويّ والاصطلاحيّ للتَّجدِيد، فقد عرَّفه صاحب عون المعبود بأنه: إِحيَاءُ مَا انْدَرَسَ من العَملِ بالكِتَابِ والسُّنَّة والأمرُ بِمُقتضاهما([9])
وعرَّفه الأستاذ محمد حدو أمِزْيَان: "إِحيَاءُ الشَّيء وإعادةُ حقيقتِه التي كان عليها؛ وذلك بإظهار معالمِه التي اندَثَرت، وزينتِه التي تغيَّرت، ومرافقِه التي أُهمل؛ حتى يكون مقبولًا ونافعًا وقائمًا للظّروف المستجدّة والحاجات الواقعيَّة"([10]).
والمتأمِّل يجد أن التَّجدِيدَ مفهومٌ إسلاميٌّ أصيل، ويظهر ذلك بوضوح في سنّة النَّبِيّ r، فقد جاء بعدّة معان:
1- فتارة يأتي بمعنى: إِحيَاء ما انْدَرَسَ، ومنه قول النَّبِيّ r: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا»([11]).
2- وتارة يأتي بمعنى: تجديد ما بلِيَ، ومنه قول النَّبِيّ r: "جَدِّدُوا إِيمَانَكُمْ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا؟ قَالَ: "أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ"([12])، وقوله في مثل هذا المعنى: «إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ، فَيَتْلُو، فَاتْلُوا الْقُرْآنَ يُجَدِّدُ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ»([13]).
3- وقد يأتي بمعنى: الإضافة، ومنه قول النَّبِيّ r: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ»([14])، على تأويل النَّووي أن سنَّ بمعنى: أَحدَثَ([15]).
ويظهر ممَّا سبق أن التَّجدِيدَ إِحيَاءٌ لمَا انْدَرَسَ وإعادةُ العلوم إلى ما كانت عليه زمن النَّبِيِّ r وليس معناه هدمَ القديم وإزالتَه؛ فذلك يُعدّ تبديدًا لا تجديدًا؛ ولكي يكون التَّجدِيد في مساره الصَّحيح لا بدَّ من النَّظر في التّراث واستيعابه، ومعالجة القصور والسّلبيات الموجودة فيه، لا بإلغائه بالكلية وإبداع علمٍ جديد يحلّ محلّه، لاسيّما وأنّ البنية الفكريَّة للإسلام عمومًا وأصول الفقه خصوصًا تدعو إلى التَّجدِيد بمراعاة فهم الواقع والتَّأثير فيه ومنهجيَّة التعامل معه.
الشبهات والردود:
إن المتأمّل في آراءِ الدّاعين إلى التَّجدِيد في علمِ أُصُول الفِقهِ يجد أن لهم اتِّجاهات مختلفة نحو التَّجدِيد مع اتّفاقهم على ضرورة هذا الأمر، وأنّ التَّجدِيد مطلبٌ فطريٌّ لا غَناء عنه، ولكن الاتِّجاه الحَدَاثِيّ ذهب إلى الإلغاءِ والتَّبدِيد لا التَّجدِيد، وكلُّ هذه المحاولات التي قدَّموها لا تخرج عن إطار التَّنظير، وإنَّنا لسنا بصدد إحصائِها وحصرِها، إنَّما نهدف إلى معرفة خلفيَّات هذا الاتِّجاه وبيان أفكاره؛ للوصول إلى الغاية التي يريدون تحقيقها، ولا بد من النَّظر إلى هذه المقاربَات والمحاولات على أنها آراء وأفكار تقبَل النَّقد والتَّحليل والمناقشة.
ويرى أربابُ هذا الاتِّجاهِ إعادةَ النَّظر في مباحث علمِ أُصُول الفِقهِ كلها، وفي كيفيَّة التَّفكير والفهم لنصوص الشَّرِيعة جملةً وتفصيلًا، ووضع قواعد جديدة للاستنباط والنَّظر، ويرون أن القواعدَ المعمول بها في أُصُول الفِقهِ مجردُ وجهات نظر تخضعُ لعوامل تأثيرٍ سياسيّة واجتماعيّة وتاريخيّة وبيئيّة، وأنها كانت منحصرة في هذا النّطاق؛ زعمًا منهم أنَّ علمَ أُصُول الفِقهِ صارَ لا يصلُح لأزمِنتِنا ولا لأيَّامنا، فقد كان في عصور سابقة ومضت؛ وما يصلح للماضي لا يصلح للحاضر، ولا بدَّ من الخروج من هذا المكوِّن العقلي الذي وضعه علماء المسلمين قديمًا؛ وهم بذلك يرون إلغاءَ هذا العلم وابتكارَ علمٍ جديد مبنيٍّ على قواعدَ وأسسٍ جديدة، ويرون إعادةَ تشكيلِ علم الرُّبوبية، وعلم ثيولوجيا الوحي، وعلم ثيولوجيا التَّأريخ، وثيولوجيا الأخلاق وفلسفة القانون...إلخ، ويذهبون إلى أن ذلك لا يتحقّق بشكل مُرْضٍ إلا بتشكيل علمِ لسانيَّات حديثٍ للُّغة العربيَّة، وتشكيل نظريَّة متماسكة للتَّأويل وتشكيل علم سيميائيَّات الخطاب الديني، ثم تشكيل نظرية للرَّمز وأنثروبولوجيا سياسيَّة؛ مع نظرية متكاملة عن المشروعيَّة العليا والسلُطات التنفيذيَّة والدِّيالِكتيك الذي يربط بينهما، وهذا يُشكّل بحدِّ ذاته عندهم برنامجًا ضخمًا للذي يريد أن يُعيد التَّفكير في الإسلام بالمعنى الجَذريّ الاستراتيجيّ للكلمة([16])، ويريدون إخضاعَ هذا العلم لمناهجَ فلسفيَّة كمنهج الفيلولوجيا([17])، والمنهج الابستمولوجي([18])، يقول أحدهم: "ومن هنا فنحن نرى أن علينا وضع أسسٍ وأصولٍ معاصرةٍ جديدة إذا أردنا إنتاج فقهٍ إسلاميٍّ جديد"([19])، وكذلك تحليل آليات تحصيل العلم، وإلغاء الأدلة ومصادر التَّشرِيع واستبدالها بغيرها، والاعتماد على المقاصد كدليل مستقلٍّ لا يخضعُ للكتاب والسنة؛ فهم بذلك يرون التَّقصيد دليلًا لا يحتاج إلى دليل، ويُعمِلون المصلحة من غير اعتبار، ويضيفون أدلةً أخرى غير التي ذكرها العلماء، فهم يُدرجون الواقع دليلًا، وكذلك أمر السلطان([20])، وهؤلاء يخضعون مصادر التلقي –الكتاب والسنة– لنظريَّات أدبيَّة حديثة؛ كنزع النَّص عن قائله وإخضاعه لفهم المتلقِّي، فلا ينظرون إلى النَّص معتبرين دلالات قائله والمعاني التي يرنو إليها، بل ينزعون عن النَّص كل هذا، ويجعلون النَّص خاضعًا لفهم المتلقِّين، ولكلٍّ أن يفهم ما شاء كيفما شاء بأي طريقة شاء([21])، معلِّلين ذلك بقولهم: "إن النَّص لا ينصُّ بطبيعته على المراد؛ ولأن الدَّال لا يدلُّ مباشرةً على المدلول، هذا هو سرُّ النَّص، أنَّ له صمته وفراغاته، وله زلَّاته وأعراضه، وله ظلاله وأصداؤه، فهو لا يأتمِر بالمدلول، ولا هو مجرَّد خادمٍ للمعنى؛ ومن هنا يتصف النَّص بالخداع والمخاتلة، ويمارس آلياته في الحجب والمحو أو في الكبتِ والاستِبداد"([22])، وهم يرون أن النُّصوص التراثية ما هي إلا معارف تراكُميَّة، ويُسوُّون بين النُّصوص الإلهيَّة والبشريَّة، ويُخضعونها لنظريّاتهم الأدبيّة، يقول أركون: "ولكن هذه الفصول المكتوبة من قبل باحثين متخصصين ليست إلا عبارة عن وصفٍ للمعارف المُتراكمَة المتعلِّقة بكلِّ موضوع أتى به التُّراث؛ كالشّعر الجاهليّ، والنّثر العربي البدائيّ، والرّسالة النبويّة، والقرآن والحديث والسّيرة والشّعر الأمويّ والتّأثيرات اليونانيّة والفارسيّة على الأدب العربي"([23])، وهذه النَّظريات لا تصلح للتَّعامل بها مع النُّصوص الأدبية، وقد أثبتت فشلها، فكيف يتعامل بها مع النُّصوص ذات القدسيَّة من القرآن والسنة؟!
ومن أرباب هذا الاتِّجاه من يرى أن سُلطة العقل لا تعلُوها سُلطة، حتى أعلَوهَا على سلطة النُّبوة، وهم يرون الرُّجوع إلى العقل والقرآن فقط، فإذا فَهم الإنسانُ آيةً بعقله من القرآن وجب الأخذ بها من غير اعتبارٍ للأدلة والدَّلالات ولا القواعد التي صاغها أهل العلم، فهم يُريدون نزعَ الدَّال عن المدلول في اللغة، ويرون رفض التُّراث جملةً وتفصيلًا، أو تأويله تأويلًا يُخرجه عن قدسيَّته والمقصد الذي جاء من أجله، بل منهم من جنح أكثر من ذلك فقال بإعمال الفطرة وعدم الالتفات إلى ما أنتجته الأمَّة من موروث علميٍّ مقتبس من القرآن والسنة، ومن هنا يجوِّزون الاجتهاد لكل من يُحسن القراءة والكتابة، ومن مغالطاتهم أنهم يرون أنهم يوظِّفون النَّص توظيفًا سياسيًّا؛ بحيث يرون أن عامة العلوم الإسلاميَّة قامت على سجن العقل والاستبداد والكلمة الواحدة، وهؤلاء يحصُرُون عِلمَ أُصُولِ الفِقهِ في ظرفيّة تاريخيَّة محدَّدة، لا تصلُح لأيَّامنا ولا تُواكب واقِعَنا المُعاش([24])، فمنهجُ أصولِ الفقه كان يتعامل مع قضايا زمانه والعصرِ الذي وُجد فيه، ومن عِللهم في ذلك أنَّه مطبوعٌ بأثر الظُّروف التَّارِيخِيَّة التي نشأ فيها، بل بطبيعة القضايا الفقهيَّة التي كان يتوجَّه إليها البحثُ الفقهيُّ"([25])، ومنهم من لا يقصر هذه الرؤية التَّارِيخِيَّة الظَّرفيَّة على علمِ أُصُول الفِقهِ، بل يجعلها شاملةً لنصوص القرآن والسنة، فيرون أن هذه النُّصوص جاءت في سياقٍ تاريخيٍّ محدَّد، كانت صالحةً في وقتِها، وأما هذه المستجدات فلا يُرجع فيها إلى هذه النُّصوص، فما كان خاصًّا بالنَّبِيّ انتهى بموته r وما كان خاصًّا بالصحابة انتهى بانقضاءِ عصرهم، فالوحي عندهم واقعةٌ تاريخيَّةٌ لا مجال لانتزاع لغتِه من سياق بُعدها الاجتماعي([26])، وزعمُوا أنَّ تَوريث الرجل مثل حظِّ الأنثيين راجعٌ إلى نصٍّ تاريخيٍّ جاء لمجتمعٍ زراعيٍّ كان الرَّجل فيه يتولَّى مسئوليةَ العمل، أما في هذا العصر فالمرأة أصبحت تعمل مع الرجل؛ لذلك فينبغي أن تأخذ مثل نصيب الرجل في الميراث([27])؛ زعمًا منهم أنهم يُعمِلون قاعدة تناهي النُّصوص وعدم تناهي المسائل.
وهذا حقٌّ أُرِيد به باطل، فالنُّصوص تتناهى والمسائل لا تتناهى، ولكن ليس معنى ذلك إخضاعُ النَّوازل والمستجدَّات لعموميَّات هذه النُّصوص، فهذه المقالة تنطبق على الجزئيَّات أما عموميَّات الكتاب والسنة فهي عابرةٌ للأزمنة والأمكنة والأعراف، وصالحة لكل زمان ومكان، وهذا الذي قرَّره ابن القيم –رحمه الله تعالى– حيث بيَّن أنَّ كلَّ المسائل وما يستجد منها داخلٌ في عموميَّات الكتاب والسنة([28])، فعموميَّات الكتاب أشارت إلى إعمال القياس، وإلحاق ما لا نصَّ فيه لما في نصّ، وباستقراء كليَّات الشَّرِيعة فإنها راعت المصلحة جلبًا والمفسدة درءًا، بل إنَّ مراعاة مصالح العباد هي المقصد العامّ للشريعة استقراءً لأدلة الشَّرِيعة وكليَّاتها كما قرره الشاطبي([29])، وقد بيَّن في غير ما موضع أن العبرة بمقصد الشارع فإن عُمل به أو فُهم على غير مقصد الشَّارع فهو غير مشروع في الحقيقة؛ حيث قال: "إنَّ الآخِذَ بِالمَشرُوعِ مِن حَيثُ لَم يَقصِد بِهِ الشَّارِعُ ذلك القَصدَ آخِذٌ فِي غَيرِ مشروعٍ حقيقةً؛ لأن الشّارع إنما شرعه لأمرٍ معلوم بالفرض، فإذا أخذ بالقصد إلى غير ذلك الأمر المعلُومِ؛ فلم يأت بذلك المشروع أصلًا، وإذا لم يأت به نَاقَضَ الشَّارِعَ في ذلك الأَخذِ، من حيث صار كالفاعل لغير ما أُمِرَ به وَالتَّارِكِ لما أُمِرَ به([30]).
وهم يُخضِعُون نصوصَ القرآن والسُّنة لنظريَّاتٍ نقديَّة فلسفيَّة؛ رافعين العصمة عن هذه النُّصوص، مشكِّكين في قطعيَّة ثبوتها من الأصل، وكذلك قطعيَّة دلالتها وعموميتها، ويرون نسبية الحقِّ متأثِّرين بالمدارس السُّوفسطائية العنديَّة والعناديَّة واللاأدريَّة([31])، ويرون أن التَّجدِيد لا يتحقَّق إلا بالتحرُّر من هذه النُّصوص، يقول الجابري: "اللُّغة والشَّرِيعة والعقيدة والسِّياسة في الماضي والحاضر، تلك هي العناصر الرئيسة التي تتكوَّن منها المرجعيَّة التُّراثيَّة التي قلنا: إنه لا سبيل إلى تجديد العقل العربي إلا بالتحرُّر منها"([32])، وقال في موضع آخر: "إننا بذلك نتَحرَّر من سلطتِه علينا ونُمارسُ سُلطَتَنَا عليه"([33]).
فهم يتعاملون مع نصوص الوحي بجُرأة ودون تقديسٍ أو تنزيهٍ([34])، وأغلبُ هؤلاء في الحقيقة غير مُتخصِّصِين في علمِ أُصُول الفِقهِ، ولا مستوعِبين لما كتبه القُدَامى –رحمهم الله- وكلّ مُحاولاتهم إذا أخضَعْناها للتَّطبيق العمليِّ فلا ثمرةَ لها تطبيقيَّة في الحقيقَة.
فعلى سبيل المثال لو اعتبرنا المقاصد دليلًا شرعيًّا مستقلًّا، فقيمة العدل -وهو مقصدٌ شرعيٌّ بلا خلاف- إذا أردنا أن نُدرج تحته مسائل تطبيقيَّة فإلى أيِّ قانونٍ نحتكم في اعتبار الحكم عدلًا أم لا؟ وهل العدل مراد به المساواة مطلقًا أم إعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه؟ فإذا جعلنا العقل حاكمًا فالعقول تتفاوت فلا بدَّ من الرُّجوع إلى قانون يضبِط هذا وهو الشّرع، قال الشَّاطبي: "فتنبَّه إلى هذا المعنى، وضابطُه أنك تعرض مسألتَكَ على الشَّرِيعة فإن صحَّت في ميزانها فانظر في مآلها بالنِّسبة إلى حال الزَّمان وأهله، فإن لم يؤدِّ ذكرُها إلى مفسدة فاعرضها في ذهنك على العقول، فإن قبِلَتها فلك أن تتكلم فيها إما على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على العموم، وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم، وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ فالسُّكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحَة الشَّرعيَّة والعقليَّة"([35])؛ لذا فإن هذه المحاولات وإن جلَت برَّاقة أخَّاذة للعقل لكن لا يستطيعون أن يأتوا بتطبيقات لما يُنظِّرون، أو يُحقِّقون واقعًا كما يدَّعُون؛ ولذلك فهذا لا يُعدُّ تجديدًا إنما هو إلغاء وحذف واستبدال، فالتَّجدِيد لا يكون إلا بجعل القديم محورًا للتَّجدِيد نُعيد إليه جدَّته ورَونَقه، والنَّاظر من أول وهلة في هذه المحاولات يجد أنَّهم يستبدلون بهذا العلم فراغًا لا يُسعفهم في تطبيقٍ عمليٍّ لما أصَّلُوه نظريًّا، فهم لا يستبدلون بهذا العلم علمًا آخر إنما يستبدلون به لا شيء في الحقيقة، وهذا بعد التَّأمُّل فيما ذُكر ليس تجديدًا بل هو عين التَّبدِيد والهدم لهذا العلم، وهذه الأفكار حقيقتُها منطلقةٌ من عدم فهمٍ للّغة ولا لقواعد الشَّرِيعة، فأدَّت إلى هذه الثِّمار المرَّة التي لا تُؤتي أُكلَها ولا تصنع تجديدًا حقيقيًّا لهذا العلم.
وهناك محاولات جادَّة للتَّجدِيد قام بها علماء راسخون منطلِقون من قواعد الشَّرِيعة الغرَّاء ملتزمون في ذلك بالضوابط والمحددات التي ذكرها العلماء وهذا الذي نعرض له في المبحث الآتي.
انطلاقًا مما قرَّرناه أن التَّجدِيد المشروع في علمِ أُصُول الفِقهِ هو التَّجدِيد البنَّاء لا الهادم لقواعد هذا العلم وإلغائها، وبما أنَّ دواعي تجديد هذا العلم حاضرةٌ في الفكر الإسلاميِّ، فلا بد من ضوابط تضبِط هذا التَّجدِيد حتى لا يكون فوضًى وانفلاتًا غير منضبطٍ ولا مقنَّن من غير إفراط ولا تفريط ولا إسراف ولا تقتير ولا تهيّب من التَّجدِيد، ولا تسيّب فيه لإطلاق العنان له من غير ضوابط ولا معايير، وقد ذكر عدد من الباحثين ضوابط لتجديد علم أُصُول الفِقهِ ومحدِّدات تُحدِّده، وهذه الضوابط من قبيل المذاكرة والمدارسة نلمح إلى أهمها فيما يأتي:
1- الوقوف عند المحكمات والمسلمات والقطعيات:
بحيث يعلم أن المسائل الجوهريَّة القطعيَّة المتعلقة بالأدلة من كتاب وسنة وإجماع وقياس وكذلك ما يتعلق بدلالات الألفاظ فهذا لا تجديد فيه، فالقطعيَّات ثبوتًا ودلالةً لا تجديد فيها([36])، إنما يكون التَّجدِيد في الظنِّيات بشرط أن تُفهم هذه الظَّنِّيات في ضوء القطعيَّات، والمتشابهات في ضوء المحكمات، وهو بذلك يتعلق بفهم هذه النُّصوص وتنزيلها على الواقع لا في النُّصوص ذاتها.
2- الانطلاق من قواعد هذا العلم في عمليَّة التَّجدِيد.
بحيث يُبنى عليها؛ فالتَّجدِيد هو: إعادةُ الماضي إلى جِدَّته والبناءُ على أصوله وليس هدمه بالكلية، فهذه القواعد التي صَاغَها العلماء واستفادُوها لم يكن من تلقاء أنفسهم بل استقرؤوا ذلك من الكتاب والسنة، فلا بدَّ من البناء عليها مع مواكبة المستجدّات، وعدم ابتكار علمٍ جديدٍ يهدم هذه الآليَّات، فهذه القواعد وُضعت لضبط الفهم وحتى لا تكون فوضى، وهي تدرَءُ اللَّعب بالأدلة حتى لا يقول من شاء ما شاء كيفما شاء؛ إنما هي عوامل الانضباط لاستنباط وربطه بالمسائل واقعًا وتوقُّعًا([37]).
3- ارتباط التَّجدِيد بوظيفة علم أُصُول الفِقهِ والغاية منه:
فلا يخرج عن الغاية التي وُضع لها هذا العلم، وهي: ضبطُ الفهم والوصولُ إلى الحكم الشرعي في المسائل النازلة والتوصُّل إلى اقتباس الأحكام من أدلتها، وكما هو معلوم أن كلَّ شيءٍ يخضعُ لأربعِ عللٍ كما نصَّ عليه أرسطو، وهي المادة والصورة والفاعل والغاية([38])، وبما أن المادة هي لَبنات هذا العلم، والغاية منه معلومة وهي الوصول إلى الحكم الشرعي، والفاعل هو المجتهد، والمجدِّد وصفاته ذكرها العلماء منصوصًا عليها ومن أهمها علمُ الواقع، وكيفيَّة تنزيل الدَّليل على الواقع، فبقِيت الصُّورة وهي التي يكون فيها التَّجدِيد والتطوُّر كما ذكر الشيخ ابن بيَّه في إثارات التَّجدِيد([39]).
4- أن يكون التَّجدِيد من قبل المتخصِّصين في هذا العلم:
يتطلَّب التَّجدِيد الأصوليُّ أن يكون القائمُ على التَّجدِيد مستندًا إلى قاعدةٍ علميةٍ راسخةٍ، ولا يتأتَّى ذلك إلا بالتخصُّص في علمِ أُصُول الفِقهِ([40])، وهذا يحتاج إلى أن يبذل علماءٌ مهرةٌ حذاقٌ رواء من العلوم الشَّرعيَّة، متمرِّسون في علم النَّظر، أقصى وسعهم العلمي والفكري في هذا الأمر([41])، فلا يتصدَّى لهذا التَّجدِيد إلا من توافرت فيه شروط وآليَّات ومقوِّمات؛ بحيث يكون مستوعبًا لما كُتب في هذا العلم، سابرًا لأغوارِه، واعيًا بالدَّلالات والمدلولات، متسلِّحًا بعقلٍ سديد وفهمٍ رشيد؛ بحيث تتوافر فيه صفات المجتهد التي ذكرها العلماء([42])، يقول صاحب فيض القدير: "ملكة ردِّ المتَشَابهات إلى المحكمَات وقوةُ استنباط الحقائق والدَّقائق والنَّظريات من نصوص الفرقان وإشاراته ودلالاته واقتضاءَاته من قلبٍ حاضرٍ وفؤادٍ يقظان"([43])؛ إذ من شروطهم في العالم بأيِّ علم اتَّفَقَ؛ أن يكون عَارِفًا بأصوله وما ينبني عليه ذلك العلم، قادِرًا على التَّعبير عن مقصوده فيه، عَارِفًا بما يلزم عنه، قائمًا على دفع الشُّبَهِ الواردة عليه فيه([44])، ولا يتمكَّن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحقِّ إلا بنوعين من الفهم:
أحدهما: فَهْمُ الواقع والفقه فيه واستنباطُ عِلمِ حقيقةِ ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علمًا.
والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع([45]).
5- عدم التَّأصيل للواقع المخالفِ للشَّرع:
بحيث لا تُبتَكر قواعد جديدة لتأصيل ما نعيشه من ضعفٍ أو لبعضِ النَّوازل المخالفة للدين، ويقتصر على اعتبار ذلك ضرورةً أو حاجةً من الحاجات؛ بحيث تدخل في باب الاستثناءَات لا الاستمراريَّة والدَّوام، ومن القواعد المعلومة أن الضرورة تُقدَّر بقدَرها، والرُّخص لا يُسترسل فيها([46]).
6- امتلاكُ أدواتِ فهم النَّص:
أن يكون المجدِّد ممتلكًا لأدوات فهمِ النَّص؛ أي: أن يكون عالمًا بعلوم الآلة الموصلة إلى العلوم المقصودة بذاتها، ومن أهم هذه العلوم فهمُه للَّغة العربيَّة التي بها تُفهم النُّصوص الشَّرعيَّة، قال الشاطبي: إِنَّ القرآن نزل بلسان العرب وإنه عَرَبِيٌّ وإنه لا عُجمة فيه، فبمعنى أنه أُنْزِلَ على لسان معهود العرب في ألفاظها الخاصة وأساليب معانيها، وأنها فيما فُطِرَتْ عليه من لسانها تُخَاطِبُ بالعام يُرَادُ به ظاهره، وبالعام يُرَادُ به العام في وجه والخاصُّ في وجه، وبالعام يُرَادُ به الخاص، وَالظَّاهِر يُرَادُ به غير الظاهر، وكل ذلك يُعْرَفُ من أول الكلام أو وسطه أو آخره، وتتكلم بالكلام يُنْبِئُ أَوَّلُهُ عن آخره، أو آخره عن أوله وتتكلم بالشيء يُعْرَفُ بالمعنى كما يُعْرَفُ بالإشارة، وَتُسَمِّي الشيء الواحد بأسماء كثيرة، والأشياء الكثيرة باسم واحد، وكل هذا معروف عندها لا ترتاب في شيء منه هي ولا من تعلق بعلم كلامه([47])، وكذلك علوم الآلة الأخرى؛ كعلم مصطلح الحديث وغير ذلك من علوم الآلة، ولكن بشرط أن يأخذ منه ما يؤهِّله إلى الاجتهاد والفهم.
7- ضبط العلاقة بين النَّص والمقصِد:
بحيث لا يكون جامدًا عند ظواهر النُّصوص ولا مضخِّمًا لنظرية المقاصد بل يكون وسطًا بين الأمرين، وأن يراعي في ذلك القواعد العامة والمصالح العليا للشَّريعة مستقرءًا في ذلك كليَّاتها وجزئيَّاتها([48])، بل لا بدَّ من مراعاة الضَّوابط التي وُضعت لفهم مقاصد الشَّارع، وقد سمَّاها الشَّاطبي في كتابه "الاعتصام" بالأدوات التي بها تفهم المقاصد([49]) ولا يجنحُ إلى جعلِ المقاصد دليلًا يرجع إليه من غير مرجعيَّة إلى القرآن والسنة.
8- ارتباط التَّجدِيد بالواقع المُعاش:
فلا بد أن يكون التَّجدِيد له علاقةٌ وثيقةٌ بالواقع المُعاش لمواكبتِه ومراعاةِ مقتضياتِه والنَّظر فيما يُصلحه وتنزيل الأحكام على النَّوازل والمستجدات الحادثة فيه، وهو مجالٌ خصبٌ للاجتهاد؛ فهو المناط الذي تُراعى فيه الأحكام وتُضبَط فيه المستجدَّات، فالمجتهد ينظر في النَّص والواقع وإيصالِ النَّص إلى الوَاقع([50])، أيْ: فهم الدليل وفهم الواقع الذي يُنزَّل عليه الدليل، وبالجملة فعملية التَّجدِيد هي استجابة لمتطلَّباتِ الأمَّة وروحِ العصر بما ينسجِم مع الثَّوابت الإسلاميَّة([51]).
9- أصالةُ المَنطِق والمَنهَج:
بحيث يكون التُّراث الأصوليُّ وما أنتجته الأمَّة من موروثٍ علميٍّ هو المنطلق للتَّجدِيد، وليس التَّجدِيد أن يُقام بناءٌ على أنقاضِ غيرِه، بل لا بد من تطويرِ القديم وإعادة الجدَّة إليه؛ وذلك يكون باعتبار القرآن والسنَّة المرجعيَّةَ الرئيسةَ للتَّجدِيد، وكذلك ما اتَّفقت عليه القُرون الأُولى، وأن يكون هذا التَّجدِيد على منهجٍ سليمٍ مُنطلقٍ مما ألِفته العرب وعرَفَته، لا على مناهجَ ونظريَّات مستَحدَثة، كنزعِ النَّصِّ عن قائله، والنَّظرية البُنيَوِيَّة والتَّفكِيكِيَّة والرَّمزِيَّة والموضُوعاتيَّة والتَّارِيخِيَّة والتَّاريخَانيَّة، وغير ذلك مما يُحاولُ بعضُ الحداثيِّين إخضاعَ النُّصوصِ الثَّابتة ذاتِ الدَّلالة الصَّريحة إلى هذه المناهج؛ إذ إنَّ هذا يُؤدي إلى نزع القُدسيَّة عن هذه النُّصوص واعتبارها كسائر نصوص البشر([52]).
10- اعتماد المنهج التَّكاملي في التَّجدِيد:
بحيث تكون النَّظرة إلى الكلِّيَّات لا الجزئيَّات، وكذلك لا يُقتصَر على تضخِيم شيءٍ والتَّقليل من الآخر؛ ولكي يكون المنهج تكامليًّا فلا بد من النَّظر في النَّواقص التي لم يَلتفت إليها القُدامى وتكمِيلِها، وكذلك ما نحتاج إليه في الواقعِ العمليِّ المعاصِر، فنعمل على تكمِيله أيضًا، ويتحقَّق هذا المنهج بالإفادة من مُعطيَات العلوم الأخرى الحديثة؛ كعلم الاجتماع والنَّفس والاقتصاد والإدارة وغير ذلك([53])، فهذا بلا شكٍّ يُفيد في تجديد هذا العلم وإعادته إلى قيادة الفكر وضبط الفَهم والاستنباط ومراعاة ما يَرتبط بذلك واقعًا وتوقُّعًا أو حالًا ومآلًا؛ للوُصول إلى تنزيل الأحكام في نصابها ومعرفة صوابها.
11- أن يكون التَّجدِيد فيما يجوز فيه الاجتهاد:
فلا تجديد في القطعيَّات والمسلَّمات وثوابت الدين، إنما يكون التَّجدِيد فيما يتعلق بالتَّدليل والتَّعليل والتَّنزيل أو في الفهم والممارسة([54])، أو فيما هو ليس دلالته قطعيَّة، وأما إذا كان النَّص صريحًا في دلالته صحيحًا في ثبوته فلا يجوز فيه الاجتهاد بحال؛ إذ إن الثَّوابت به تُحفظ هوية الأمة وبقاؤها، ولا يُثار الاجتهاد إلا في المتغيِّرات لا الثَّوابت، وقد بيَّن ابن القيم هذا الأمر فقال: "هذا فصلٌ عظيمُ النَّفع جدًّا، وقع بسبب الجهلِ به غَلَطٌ عظيم على الشَّرِيعة أوْجَبَ من الحرج والمشقَّة وتكليفِ ما لا سبيل إليه ما يُعلم أن الشَّرِيعة الباهرة التي هي في أعلى رُتَب المصالح لا تأتي به؛ فإن الشَّرِيعة مَبْنَاها وأساسهَا على الحِكَم ومصالحِ العباد في المعاش والمعاد، وهي عَدْلٌ كلُّها، ورحمةٌ كلها، ومصالحُ كلها، وحكمةٌ كلها"([55]).
إنَّ من يتأمَّل في عامَّة المحاولات التَّجدِيديَّة يجدها اهتمَّت بالمجال التَّنظيري دون التَّطبيقي؛ ولكي يكون التَّجدِيد له ثمرة مستفادة لا بد من إكمال ما كان ناقصًا وإلحاق ما ينبغي أن يُلحق، وإنزال النَّظريات إلى واقع التَّطبيقات؛ ولكي نُقدِّم رؤيةً مستقبليَّةً في هذا الأمر، فإننا نقسمها إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: مستوى التأليف:
يتعلق بإعادة التَّرتيب والتَّبويب، وهذا أمرٌ ليس بجديد، بل كان يشغل العلماء قديمًا، قال أبو الحسين البصري: "فَأَحْبَبْت أَن أُؤلِّف كتابًا مرتَّبَةً أبوابُه غير مكرَّرة، وَأَعْدل فِيهِ عَن ذكر مَا لَا يَلِيق بأصول الفِقهِ من دَقِيق الكَلَامِ؛ إذ كان ذلك من علمٍ آخر لَا يجوز خلطُه بهذا العلم"([56])، وقد جرت محاولاتٌ كثيرةٌ في هذا الشأن، ولعل من المحاولاتِ الحديثةِ المحاولةُ التي قدَّمها الشَّيخ ابن بيَّة مقتبِسًا ذلك من الشَّاطبي عند كلامه عن مواضع الاجتهاد([57])، وهي محاولة مفيدة في هذا الباب.
وخلاصتها: أن يبدأ بمقدمات لُغوية تشمل علوم اللغة نحوًا وصرفًا وبلاغةً مع المقارنة بالمناهج الغربية الحديثة؛ كالهيرمنيوطيقيا واللِّسانيات يندرج تحتها ما يتعلَّق بالوضع والاستعمال والحمل.
وأما المنظومة الثانية فتتعلَّق بمعقولِ النَّص، وتشمل الأدلةَ العقليَّة كالقياس بأنواعه الاستقرائي والكلي والتمثيلي والمصالح المرسلة والاستحسان وسدِّ الذَّرائع وغير ذلك.
وأما المنظومة الثالثة فتتعلَّق بالواقع أو ما يسمِّيه العلماء بالمَنَاط، وتشمل العُرف والضرورة وما يتعلق بها من استثناءات واعتبار ما يكون في المآل وكذا ما يتعلق باحتياجات النَّاس.
ولخَّص ذلك في جميع المنظومات الثلاث في التَّدليل والتَّعليل والتَّنزيل؛ فالتَّدليل ما يتعلق باللغة، أي: دلالة الألفاظ ومدلُولَاتها، والتَّعليل يتعلق بالأدلة العقلية والمقاصد ودمجها في الأوعية الأصولية، والتَّنزيل يتعلق بالواقع حالًا ومآلًا([58]).
ومما يُقترح في باب التأليف أيضًا: أن تُوضع مقدّمات تاريخيَّة عن علمِ أُصُول الفِقهِ والأبعادِ التَّارِيخِيَّة لهذا العلم، ووضع مدخلٍ تَيسِيري إلى علم أُصُول الفِقهِ قبلَ الكلام عن العلم ذاتِه، وهذا ما جَرت عليه بعض الكليَّات والجامعات.
ومن ذلك أيضًا: وضعُ كتبٍ تهتمّ بالجوانب التطبيقيَّة لعلم الأصول، مع ترك ما لا يندرِج تحته عملٌ أو كان ممَّا ذكره العلماء استطرادًا من العلوم الأخرى، وهي لا علاقة لها بعلمِ أُصُول الفِقهِ([59]).
المستوى الثاني: الصياغة والمضمون:
أولا: على مستوى الشَّكل والصِّياغة([60]):
يُقترح للتَّجدِيد على مستوى الشَّكل والصِّياغة أمور منها:
1- تناول المسائل الُأصُولية بعبارات مناسبة ميسَّرة بعيدًا عن التكلّف والتّقعير؛ بحيث يفهمها الدراسون وطلبة العلم.
2- وفرة الأمثلة التَّطبيقيَّة للقواعد الأصولية؛ فبعض المسائل الأصوليَّة لا تكاد تجد لها إلا مثالًا واحدًا أو ليس لها مسائل تذكر.
3- الاقتصاد في التَّعريفات وعدم التَّوسُّع فيها في ذكر المعارَضَات والموجبَات للتَّعريف والانتقادات وغير ذلك، بل يُكتفى بذكر بعض التَّعريفات والرَّاجح منها.
4- تنقية علم الأصول من الدَّخيل عليه؛ كالمسائل التي جرى فيها الخلاف النَّظري وليس لها تطبيقاتٌ عمليّة؛ كالاستطراد في العلوم اللّغويّة والمنطقيّة والفلسفيّة التي ليس لها علاقة بعلم الأصول؛ كمسألة حقيقة النَّسخ في اللغة هل هو للإزالة أم النقل؟ وهل هو بيان أم رفع وغيرها من المسائل([61])؟
ثانيا: على مستوى المضمون:
لقد تقرَّر فيما سبق أنه لا يجوز التَّجدِيد في القضايا الجوهريَّة المتعلِّقة بعلم أُصُول الفِقهِ، وتشمل أركانَه ومصطلحاته، وليس تناقضًا إن قلنا: يجوز التَّجدِيد في المضمون مع ما قرَّرناه سابقًا، وذلك يكون فيما يأتي:
1- التَّناول الجديد للمسائل الأصوليّة القديمة؛ بحيث تُستقرأ النُّصوص وأقوال العلماء ثم الوصول إلى القاعدة أو المعنى المراد، بل ربّما تقف على معاني جديدة لم يذكرها العلماء صراحة، ومن أمثلة ذلك ما قرَّره الشَّاطبي في معرفة طريق العموم؛ فذكر أن له طريقين:
الأول: ما ذكره العلماء ونصّوا عليه سابقًا، وهي صيغ العموم؛ كاسم الجنس المعرف بأل والنَّكرة المضافة والأسماء الموصولة والنَّكرة في سياق النفي وغير ذلك.
ثم ذكر طريقا ثانيا استقرَأَه رحمه الله من عموميَّات الكتاب والسنة وأقوال الأئمة، وهو استقراء مواقع المعنى([62])، وكذلك ما قاله في تعريف طلبِ الكفاية، "يقول العلماء بالأصول: أنه مُتَوَجِّهٌ على الجميع، لكن إذا قام به بعضُهُم سقط عن الباقين، وما قالوه صحيح من جهة كُلِّيِّ الطّلب، وأما من جهة جُزئِيِّهِ؛ ففيه تفصيل، وينقسم أقسامًا، وربما تَشَعَّبَ تَشَعُّبًا طويلًا، ولكِنّ الضَّابِطَ للجملة من ذلك؛ أن الطلب وارد على البعض، ولا على البعض كيف كان، ولكن على من فيه أَهْلِيَّةُ القيام بذلك الفعل المطلوب، لا على الجميع عمومًا"([63]).
2- إلحاق الأبواب المتعلقة بأصولِ الفِقهِ؛ كعلم المقاصد وفقه الأولويَّات والقواعد الفقهيَّة الكليَّة وغير ذلك مما له علاقة أو ارتباط وثيق بعلمِ أُصُول الفِقهِ([64]).
المستوى الثالث: مستوى التَّدريس:
وتتمثَّل المُقترحات المتعلّقة بهذا الأمر فيما يلي:
1- النُّزول بالمسائل التَّنظيريَّة إلى الجانب التَّطبيقي حيث العمل والممارسة، وهذا يكون من جهتين:
الأولى: استدعاء الأمثلة من القرآن والسنة وكلام الأئمة على تقريرِ القاعدة وإثباتِها وتوضحِيها وإفهامِها؛ بحيث تكون للطَّالب ملكةً استنباطيةً حتى يعرف كيفيَّة استنباط العلماء للأحكام من الأدلة.
الثانية: مشاركة الطلاب في المسائل الواقعيَّة والمستجدّات بطرحِهَا للمناقشة، وذكرِ أقوالِ العلماءِ المعاصرين وطرُق استنباطِهم وإِعمالهم للأدلة([65]).
2- إكساب الطلَّاب قدراتٍ على التَّحليل والفهم والاستيعاب والاستنباط بتنمية مهارتهم وتشجيع التَّفكير الإبداعيِّ لديهم.
3- إردافُ الكتبِ التَّدريسية في علمِ أُصُول الفِقهِ بكتبٍ في علومٍ أخرى تساعد على فهم وتطبيق المسائل الأصولية، ولو بانتقاء بعض المسائل منها؛ كمقررٍ ردِيف لعلمِ أُصُول الفِقهِ؛ كأحكام القرآن وأحاديث الأحكام وبناء الفروع على الأصول وغير ذلك.
هذه إشاراتٌ وإلماحاتٌ تفتِق الأذهان؛ لوضع رُؤَى تجدِيديَّة في آفاق هذا العلم، وذلك بعمل مقاربةٍ تجديديَّةٍ تطبيقيَّةٍ تسعى لتطبيق ما ذكرناه من رُؤَى تنظيريَّة.
وفي النِّهاية فقد حاول هذا البحثُ الكلام عن اتِّجاهات التَّجدِيد، وبيان الصَّالح منها من عدمه، وحاول إظهارَ أن التَّجدِيد أمرٌ لا بدَّ منه لكن بضوابط تضبِطُه ومحدِّدات تُحدِّده، وحاول البحث وضعَ رُؤَى لآفاقِ التَّجدِيد على مستوياته الثَّلاثة:
· التَّأليف.
· الصِّياغة والمضمون.
· التَّدريس.
وخلص البحث إلى النَّتائج التَّالية:
1- إنَّ علمَ أُصُول الفِقهِ هو الذي يضبِط فهمَ النُّصوص ويدرءُ التَّلاعبَ بها، وبدونه تُفرَّغ النُّصوص من مضامينها ويفهم من شاء ما شاء كيفما شاء من غير ضبط ولا انضباط.
2- إنَّ المحاولات التَّجدِيدية لكثير من الحداثيِّين تهدفُ إلى إلغاء هذا العلم لا تجديده، وأنهم يستبدلونه بفراغٍ لا بمحتوى جديدٍ في الحقيقة.
3- إنَّ عامَّة المحاولاتِ التَّجدِيدية للحداثيِّين تكتفي بالتَّنظير فقط، وليس لها مجال في الواقع العمليِّ التطبيقيِّ.
4- إنَّ التَّجدِيد المنشُود لا بدَّ أن ينطلِق من ترُاث الأمة الأصوليّ بإعادة رَونَقه وجدَّته حتى يقوم بالدَّور المنوط به.
5- إنَّ الجانب التطبيقيّ للمحاولات التَّجدِيدية عمومًا لا يزال غائبًا، ولم ينتج إلى الآن أُنمُوذَجًا تجديديًّا عمليًّا على الوجه المطلوب، وإن كانت هناك محاولات قدمت في ذلك لكنها جزئيَّة ومحدَّدة ويعتريها كثيرٌ من النَّقص.
6- إنَّ كثيرًا من عبارات الحداثيِّين تشعرُ بصعوبة وعمقٍ في اللفظ وإن كانت سطحيَّة المعنى.
7- تعزيزُ التَّجدِيد المُنضبِط المبنيِّ على قواعدَ وأسُس، لا التَّجدِيد الذي يدعو إلى الفوضى والانفلات.
8- إنَّنا ما زلنا نفتقِر إلى الكِفاية العلميَّة في تجديد علمِ أُصُول الفِقهِ.
أما عن التوصيات فإن الباحث يوصي بما يلي:
1- ربط التَّجدِيد بالواقع العمليّ انطلاقًا من التراث الأصولي.
2- أن تقوم المؤسَّسات والمجامع والمراكز البحثيَّة المتخصِّصة بعمليَّة التَّجدِيد، وألَّا يكون التَّجدِيد فرديًّا؛ فإنه أدعى إلى تحقيقِ تكامليَّة المنهج التَّجدِيدي.
3- وضع كتبٍ جديدةٍ في علمِ أُصُول الفِقهِ تتميَّز بسهولة العبارة ووضوح المعنى بعيدًا عن التَّعقيد والألفاظ المستصعبَة؛ بحيث تتوافر فيها الأمثلة التطبيقيَّة العمليَّة التَّوضيحيَّة.
هذا مجمل ما أردت كتبه، أسأل الله ألا أكون ممن تخدعه الشمس بطول ظلّه، أو تغره النفس بكثره وقلّه، وألا يكون حظّه من القول إلا لفظه، فهو خير مسئول وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهم المصادر والمراجع:
1. الإسلام وتجديد الأمة، فايز محمد إسماعيل، دار الأمة- الإسكندرية، ط1، 2008م.
2. أصول الفقه، محمد مصطفى شلبي، الدار الجامعية، القاهرة، ط1، د ت.
3. إعلام الموقعين عن رب العالمين، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب المعروف بابن قيم الجوزية، قدم له وعلق عليه وخرج أحاديثه وآثاره: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، شارك في التخريج: أبو عمر أحمد عبد الله أحمد، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، ط: 1، 1423هـ.
4. البرهان في أصول الفقه، المؤلف: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، أبو المعالي، ركن الدين، الملقب بإمام الحرمين ت: صلاح بن محمد بن عويضة، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، : ط 1، 1418 هـ- 1997م.
5. بنية العقل العربي، محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت- لبنان، ط9، 2009م.
6. تجديد أصول الفقه الواقع والمقترح علي جمعة مجلة المسلم المعاصر ع125.
7. تجديد الفكر الديني في الإسلام، محمد إقبال، دار الكتاب المصري، القاهرة، ط1، 2011م.
8. التَّجدِيد والمجددون في أصول الفقه، عبد السلام بن محمد عبد الكريم، المكتبة الإسلاميَّة، القاهرة، ط3، 2007م.
9. التراث والحداثة، محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت لبنان، ط1، 1984م.
10. ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، عبد الرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون أبو زيد، ولي الدين الحضرمي الإشبيلي، خليل شحادة، دار الفكر، بيروت، ط2، 1408 هـ- 1988م.
11. سنن أبي داود، أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السجستاني، محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت.
12. شرح صحيح مسلم للقاضي عياض المسمَّى: إكمال المعلم بفوائد مسلم، عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل، ت: د. يحيى إسماعيل، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، مصر ط: الأولى، 1419 هـ- 1998م.
13. طبقات الشافعية الكبرى، تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي، د. محمود محمد الطناحي، هجر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية، 1413هـ.
14. عون المعبود شرح سنن أبي داود، ومعه حاشية ابن القيم: تهذيب سنن أبي داود وإيضاح علله ومشكلاته، محمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر، أبو عبد الرحمن، شرف الحق، الصديقي، العظيم آبادي، دار الكتب العلمية – بيروت، ط: 2، 1415ه.
15. فيض القدير شرح الجامع الصغير، زين الدين محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي، المكتبة التجارية الكبرى – مصر، ط: 1، 1356ه.
16. القاموس المحيط، مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، محمد نعيم العرقسُوسي، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، ط: 8، 1426هـ- 2005م.
17. المصنف في الأحاديث والآثار، أبو بكر بن أبي شيبة، عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي ت: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد – الرياض، ط: 1، 1409ه.
18. لسان العرب، محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعي الإفريقي، دار صادر – بيروت، ط: 3، 1414هـ.
19. مجلة البيان (238 عددا)، المؤلف: تصدر عن المنتدى الإسلامي.
20. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي، حققه وخرج أحاديثه: حسين سليم أسد الداراني، الناشر: دار المأمون للتراث.
21. المستصفى، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، ت: محمد عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، ط: 1، 1413هـ- 1993م.
22. مسند الإمام أحمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، أحمد محمد شاكر، دار الحديث – القاهرة، ط1، 1416 هـ- 1995م.
23. المعتمد في أصول الفقه، محمد بن علي الطيب أبو الحسين البصري المعتزلي، تح: خليل الميس، دار الكتب العلمية – بيروت، ط: 1، 1403ه.
24. المعجم الكبير، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني، ت: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية – القاهرة، ط: 2.
25. معيار العلم في فن المنطق، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، تح: الدكتور سليمان دنيا، دار المعارف، مصر، 1961م.
26. مفهوم تجديد الدين، بسطامي محمد سعيد خير، مركز التأصيل للدراسات والبحوث، جدة- المملكة العربية السعودية، ط: 1، 1433 هـ- 2012م.
27. مقاصد الشريعة الإسلامية، محمد الطاهر بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي، تح: محمد الحبيب ابن الخوجة، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميَّة، قطر، 1425هـ- 2004م.
28. المنخول من تعليقات الأصول، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، حققه وخرج نصه وعلق عليه: الدكتور محمد حسن هيتو، دار الفكر المعاصر- بيروت لبنان، دار الفكر دمشق – سورية، ط: 3، 1419 هـ- 1998م.
29. النَّظريات العلمية الحديثة، مسيرتها الفكرية وأسلوب الفكر التغريبي العربي في التعامل معها- دراسة نقدية، حسن بن محمد حسن الأسمري، أصل الكتاب: رسالة علميَّة تقدَّم بها المؤلِّف لنيل درجة الدكتوراه، من قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلاميَّة، طبع على نفقة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميَّة– قطر، مركز التأصيل للدراسات والبحوث، جدة- المملكة العربية السعودية، ط: 1، 1433 هـ- 2012م.
30. نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، أحمد الريسوني، الدار العالمية للكتاب الإسلامي، ط: 1، 1412 هـ- 1992م.
31. نقد النص، علي حرب، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء– المغرب، ط4، 2005م.
([11]) سنن أبي داود (4/109) والمعجم الأوسط (6/324)، إسناده صحيح، وقد ذكره الحافظ في "توالي التأسيس" ص 46- 49 من طرق عن أحمد بن حنبل، ثم قال: وهذا يُشعر بأن الحديث كان مشهورًا في ذلك العصر، ففيه تقوية للسند المذكور، مع أنه قوي لثقة رجاله، وصحّحه أيضًا ملَّا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" 1/248.
([12]) مسند أحمد ط الرسالة (14/328) ومسند البزار (17/52) إسناده ضعيف، وهو بإسناد سابقيه، وأخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" 2/357 من طريق عبد الله بن أحمد ابن حنبل، عن أبيه، بهذا الإسناد، وأخرجه عبد بن حميد (1424)، والحاكم 4/256، من طريق أبي داود الطيالسي به.
([13]) ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/52)، وقال: «رواه الطبراني في "الكبير"(13/37) وإسناده حسن»، وذكره المتقي الهندي في "كنز العمال" (1313) ونسبه للمصنف. ورواه الحاكم في "المستدرك" (1/4).
([17]) علم دراسة النُّصوص القديمة، يراجع: فقه اللغة، صبحي الصالح، ص20، فمدلول هذه الكلمة قد اختلف كثيرًا باختلاف العصور وباختلاف الأمم، ولا يزال العلماء يختلفون في فهمها وإطلاقها، فأحيانًا تطلق ويراد بها ما يشمل معظم البحوث السابقة. -ويكاد يتعين هذا المعنى إذا وصفت بما يدل على عموم بحوثها؛ فقيل مثلًا: "فيلولوجيا قارنة"، وأحيانًا تطلق ويراد بها دراسة لغة أو لغات؛ من حيث قواعدها وتاريخ أدبها ونقد نصوصها وكانت إذا أطلقت في عصر إحياء العلوم لا تنصرف إلّا إلى دراسة اللغتين الإغريقية واللاتينية دراسة قواعد وأدب، ولكن الآن لا تفيد هذا المعنى إلّا إذا قيدت؛ فقيل: "فيلولوجيا كلاسيكية"، وأحيانًا تطلق ويراد بها دراسة الحياة العقلية ومنتجاتها على العموم في أمة ما أو في طائفة من الأمم، وهي بمعنييها الأخيرين ترادف ما نسميه أدب اللغة وتاريخ أدبها، يراجع علم اللغة لعلي عبد الواحد وافي (ص 14)، وقيل تبقى الكلمة على حالها معربة؛ لأن إفادتها لعلم اللغة أو فقهها بعيدًا عن كونه مصطلحًا قديمًا عند العلماء، فابن فارس له كتاب الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها وكذلك الثعالبي له كتاب فقه اللغة، يراجع: دراسات لغوية في أمهات كتب اللغة (ص 8).
([18]) هي كلمة يونانية تعني: فلسفة العلوم، وتعرف بأنها الدراسة النقدية للمعرفة العلمية، يراجع: مدخل لفلسفة العلوم، عابد الجابري، ص57.
([34]) النظريات العلمية الحديثة مسيرتها الفكرية وأسلوب الفكر التغريبي العربي في التعامل معها دراسة نقدية (2/871).
([44]) الموافقات (1/140) وينظر أحكام الفصول في أحكام الأصول (2/728) ومفهوم تجديد الدين، محمد سعيد بسطامي، ص 38.