إعداد الفريق العلمي لبرنامج محكمات . 31 أكتوبر, 2022, 8:34 PM
إعداد الفريق العلمي لبرنامج محكمات
بسم الله الرحمن الرحيم
شهد تاريخ الأمة الإسلامية فترة زمنية مُهمَّة خلال القرن السابع والثامن الهجريين؛ حيث ظهر خلال هذه الفترة أئمة كبار وعلماء راسخون أثْرَوْا الحركة العلميَّة والدعويَّة، وأعادوا الأُمَّة إلى التمسُّك بمحكمات الدين وأُسُسه، وكان على رأس هؤلاء الأئمة الأعلام: شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والحافظ الذهبي وابن كثير وغيرهم من العلماء الربانيين الذين كان لهم دور في الحفاظ على نقاء الإسلام، ونشر العلم الصحيح، والرد على المبتدعة، وردّ الأحاديث الضعيفة والموضوعة، حتى ازدهرت نهضة علمية كبرى في العالم الإسلامي.
ولكن مع مرور الزمان تردَّت أحوال العالم الإسلامي بعد القرن العاشر الهجري، وكثُر في المسلمين الجهلُ والتقليدُ والتمزُّق والاختلاف في الدين؛ وتتابعت الخرافات، وانتشرت البدع العقدية والعملية، وظهر تقديس الأضرحة والشيوخ والأولياء، وصرف كثير من المسلمين –جهلاً وتقليدًا- العبادة لغير الله تعالى.
وغلا الصوفية في تشييد القبور وتعظيم المقبورين ودعائهم والطواف بالقبور والتمسح بها، وتعظيم الموتى والحلف بأصحاب الأضرحة، وفشا الأدعياء والجهلاء، وانتشرت التمائم والتعاويذ، وآمن بعض الجهال بالباطل، وفُتِحَ طوفان الشبهات على الأمة، ورغب الجهال في العكوف على قبور الأولياء، والتماس الشفاعة من الموتى. ولم تقتصر أشكال الانحراف على الانحراف العقدي فقط، بل غلبت الشهوات وانتشرت الرذائل وهُتكت الحرمات.
في وسط هذه الأجواء الملبَّدة بالبدع والخرافات والشركيات أَذِنَ الله أن تنطلق دعوة مباركة تُعِيد الأمة إلى نقاء عقيدة التوحيد وسلامة المنهج، من قلب أرض الجزيرة العربية على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، وكانت بلاد نجد أنسب البقاع لظهور الحركة التجديدية الهادفة إلى إعادة الأمة إلى النقاء العقدي والاستقامة على المنهج القويم؛ حيث بقيت هذه البقعة المباركة بعيدة عن سيطرة الدول الاستعمارية الكبرى في ذلك الوقت؛ فلم يكن أحد يطمع فيها أو يلتفت إليها، وكان أهلها من صفاء البادية وقوتها وحيويتها ما يحقق البقاء والنماء لهذه الدعوة المرتقبة.
لقد تميز الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- بتحديد هدفه من البداية، والمتمثل بإحياء الأمة وتخليص أبنائها من الجهل وتحذيرهم من الشركيات والابتداع في الدين، منطلقًا في دعوته من محكمات الدين والأدلة الصحيحة والثابتة والحجج القويمة من كتاب الله تعالى وسُنّة رسوله -صلى الله عليه وسلم- في كل مسألة يطرحها، وكتب في ذلك مُؤلَّفات كثيرة على طريقة السلف الصالح، ولذا يُعدّ الشيخ أحد مُجدِّدي الدين وحامل راية التوحيد والموحدين في القرن الثاني عشر الهجري.
ومن أهم كتبه ومؤلفاته الماتعة في تجديد مفهوم التوحيد وإحياء معالمه، ودحض الشبهات والشركيات والخرافات: كتاب التوحيد، والذي بيَّن فيه أوجب الواجبات وأهم المهمات، وهو توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة، وقد جعله على ستة وستين بابًا، يحتوي كل باب على آيات من القرآن وأحاديث من السنة ملتزمًا بمحكمات الإسلام، وأحيانًا يضيف قولاً لأحد السلف الصالح، ولم يذكر آراءه الشخصية؛ لأن العقيدة لا تُؤخَذ إلا من الكتاب والسُّنة.
ومن كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب أيضًا التي انطلقت من تجديد مفهوم التوحيد: كشف الشبهات، والأصول الثلاثة، ورسالة في الرد على الرافضة، ومسائل الجاهلية، وفضل الإسلام، وستة أصول عظيمة مفيدة، ونواقض الإسلام، ومفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد، وغيرها.
الإمام محمد بن عبد الوهاب مجددًا
من رحمة الله تعالى بهذه الأمة أن قيَّض لها على رأس كل قرن هجري إمامًا مجددًا؛ يحيي معالم الشريعة، ويكشف زيف البدع والخرافات، ويدعو إلى التمسك بمحكمات الإسلام واتباع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، ولذا فإن تتابُع المجدِّدين عبر تاريخ هذه الأمة أمرٌ ثابتٌ، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إنَّ اللَّهَ يبعثُ لِهَذِهِ الأمَّةِ على رأسِ كلِّ مائةِ سنةٍ من يجدِّدُ لَها دينَها»([2]). والمتأمل في القرن الثاني عشر الهجري يتبيّن له أنَّ الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- هو مجدِّدَ هذا القرن، ومن أبرز معالم دعوة الشيخ -رحمه الله- إلى تجديد مفهوم التوحيد:
أولاً: الدعوة إلى تحقيق التوحيد الخالص
إن أساس دعوة الشيخ -رحمه الله- الدعوة إلى تحقيق التوحيد الخالص، وقد عُني الشيخ عناية خاصة بتوحيد العبادة، وقرّره بأوضح عبارة، فقال في (الأصول الثلاثة): «اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملةَ إبراهيم، أن تعبد الله وحده، مخلصًا له الدين، وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها، كما قال -تعالى-: ]وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ[ (الذاريات: 56)، ومعنى يعبدون: يوحِّدون. وأعظم ما أمر الله به التوحيد، وهو إفراد الله بالعبادة، وأعظم ما نهى الله عنه الشرك، وهو دعوة غيره معه. والدليل قوله -تعالى- : ] وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [ (النساء : 36)».([3])
والمتأمل في تبويب الشيخ لكتاب التوحيد يجد أنه -رحمه الله- مع حرصه على منهج السلف إلا أنه استهل كتاب التوحيد بأبواب متميزة ربطها بمحكمات الدين الثابتة وأسسه الرصينة؛ نذكر منها -على سبيل المثال لا الحصر- باب: فضل التوحيد وما يكفَّر من الذنوب. باب: من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب. باب: الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله. باب: الدعاء إلى التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله.
ثانيًا: التحذير من الشرك
اجتناب الشرك شرط من شروط صحة التوحيد؛ كما قال الله -تعالى-: ] وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [ (النحل: 36)، وقال: ] فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ [ (البقرة: 256)، وقد عاين الشيخ ما وصل إليه حال الأمة الإسلامية في عصره، في جميع الأقطار ورأى تصرفات بعض الجهال حال وقوفهم عند الحجرة النبوية، وهم يدعون، ويستغيثون بقبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وانطلاقًا من الحرص على محكمات الدين وأسسه اهتم الشيخ -رحمه الله- بتتبُّع مظاهر الشرك العملي الذي يدل على وجود شرك اعتقادي. ويظهر ذلك جليًّا في أبواب كتاب التوحيد مثل: باب: من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما، لرفع البلاء أو دفعه. باب: ما جاء في الرقى والتمائم. باب: من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما. باب: ما جاء في الذبح لغير الله. باب: من الشرك النذر لغير الله. وباب: من الشرك أن يستغيث بغير الله، أو يدعو غيره... وهكذا.
ومن مظاهر تجديده في مفهوم التوحيد الصافي وتأصيله لمحكمات الدين: تحذيره في كتاب التوحيد من الممارسات الشركية؛ كالسحر، والنشرة، والطِّيَرة، والتنجيم، فضلاً عن الأبواب المتعلقة بالشرك الأصغر من الألفاظ، كقول: (ما شاء اللهُ وشئتَ)، وقول: (عبدي وأَمَتي) وقول: (مُطِرْنا بنَوْء كذا وكذا)، والحلف بغير الله. وبالإضافة إلى ذلك فقد عقد أبوابًا تتعلق بسدِّ الذرائع المفضية إلى الشرك، مثل: باب: ما جاء أن سبب كفر بني آدم، وتركهم دينهم، هو الغلو في الصالحين. باب: ما جاء في التغليظ فيمن عَبَدَ الله عند قبر رجل صالح. باب: ما جاء أن الغلو في الصالحين يصيّرها أوثانًا تعبد من دون الله. وباب: ما جاء في حماية المصطفى -صلى الله عليه وسلم- جناب التوحيد، وسدِّه كل طريق يوصل إلى الشرك.
ومن صور تجديد مفهوم التوحيد لدى الشيخ ابن عبد الوهاب: رفضه لجذور الشرك ودوافعه، وتحذيره من مظاهره وذرائعه، حتى بثّ في الأمة روح التوحيد الخالص بعدما تلوّث كثير من أبنائها بالبدع والخرافات والشركيات، حتى أعاد الشيخ -رحمه الله- تجديد دعوة المرسلين إلى التوحيد الخالص ولزوم محكمات الدين والبعد عن ما يخالف ذلك.
ثالثًا: الدعوة إلى الاتباع ونبذ الابتداع
انطلق الشيخ من محكمات الشريعة وأصولها في الدعوة إلى تعظيم النصوص الشرعية، وتقديمها على أقوال الرجال، والاعتماد على الدليل الصحيح الثابت، ونبذ التعصب والتقليد الأعمى، يقول الشيخ -رحمه الله-: «ولست -ولله الحمد- أدعو إلى مذهبٍ صوفي، أو فقيه، أو متكلم، أو إمام من الأئمة الذين أُعظّمهم، مثل: ابن القيم، والذهبي، وابن كثير، وغيرهم، بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأدعو إلى سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»([4]).
ومن صور حرص الشيخ -رحمه الله- على تجديد مفهوم التوحيد وحماية محكمات الدين: تصديه للبدع الاعتقادية والعملية الحادثة في زمانه، ومن شواهد ذلك ما ذكره المؤرّخ حسين بن غنام، قال: «كان في العُيَيْنة، وما حولها كثير من القباب والمشاهد المبنية على قبور الصحابة والأولياء، والأشجار التي يعظّمونها، ويتبركون بها، كقبة قبر زيد بن الخطاب، في الجبيلة، وكشجرة قريوة، وأبي دجانة، والذيب. فخرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومعه عثمان بن معمر، وكثير من جماعتهم، إلى تلك الأماكن بالمعاول، فقطعوا الأشجار، وهدموا المشاهد والقبور، وعدَّلوها على السنة. وكان الشيخ هو الذي هدم قبة زيد بن الخطاب بيده، وكذلك قطع شجرة الذيب مع بعض أصحابه، وقطع شجرة قريوة ثنيان بن سعود، ومشاري بن سعود، وأحمد بن سويلم، وجماعة سواهم»([5]).
رابعًا: دعوة الشيخ إلى تعظيم حاكمية الله تعالى على الكون
لم تقتصر دعوة الشيخ -رحمه الله- على جانب واحد فقط من حماية جناب التوحيد ومحكماته، بل امتدت دعوة الشيخ إلى تعظيم حاكمية الله تعالى على الكون، وإقرار تفرُّد الله سبحانه بالتشريع ووجوب الإذعان لأحكام الشريعة، وقد تميّز الشيخ عن غيره بسعيه الدؤوب إلى إقامة دين الله، وتحكيم شرعه سبحانه في كافة مجالات الحياة.
وانطلاقًا من محكمات الشريعة الإسلامية بأن شهادة أن «لا إله إلا الله» عقيدةٌ وشريعةٌ ومنهجٌ متكاملٌ للحياة، ولما كان تنفيذ الأحكام الشرعية لا يتم إلا بهيبة السلطان وقوته؛ فقد عرض الشيخ دعوته على أُولي الأمر في عصره، ولم يخرج عليهم، حتى جمع الله بينه وبين أمير الدرعية محمد بن سعود، واكتمل من خلال التعاون بين الإمامين مشروع إصلاحي وتجديدي كبير في تاريخ الأمة الإسلامية المعاصرة؛ تمثل في إقامة دولة إسلامية في جزيرة العرب، تُحكِّم شرع الله تعالى، وتنشر العلم، وتقيم الحدود، وتحقق الأمن، وتُظهر الجهاد في سبيل الله تعالى، وتجبي الأموال عن طريق الزكاة والغنائم ونحوهما.
دعوة إصلاحية تجديدية
كانت نجد وشبه الجزيرة العربية قبل ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أسوأ أحوالها من حيث انتشار الشركيات والخرافات وظهور البدع والانحرافات، مع البعد عن محكمات القرآن الكريم والسنة النبوية؛ قال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: «كان أهل نجد قبل دعوة الشيخ على حالة لا يرضاها مؤمن؛ كان الشرك الأكبر قد فشا في نجد حتى عُبِدَت القباب وعُبِدَت الأشجار، وعُبِدَ من يدعي الولاية وهو من المعتوهين، وانتشر السحرة والكهنة وسؤالهم وتصديقهم.. وقل القائم بالله والناصر لدينه، وهكذا في الحرمين الشريفين، وانتشر الشرك وبناء القباب على القبور ودعاء الأولياء والاستغاثة به، وفي اليمن من ذلك الشيء الكثير وفي بلدان تجد من ذلك ما لا يُحصى»([6]).
وقال العلامة محمد رشد رضا -رحمه الله-: «كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- مجددًا للإسلام في بلاد نجد، بإرجاع أهله عن الشرك والبدع التي فشت فيهم إلى التوحيد والسنة.. ولقد كان الشيخ ابن عبد الوهاب من هؤلاء العدول المجددين، قام يدعو إلى تجريد التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده بما شرعه في كتابه وعلى لسان رسوله خاتم النبيين -صلى الله عليه وسلم-، وترك البدع والمعاصي، وإقامة شعائر الإسلام المتروكة»([7]).
وقال الأستاذ محمد جلال كشك -رحمه الله-: «إذا كان محمد بن عبد الوهاب من ناحية العقيدة ليس بمبتدع، فهو من الناحية السياسية مجدّد ومبدع، لقد استطاع أن يوقف حركة التاريخ، ويلوي عنق الأحداث التي كانت تدفع العالم الإسلامي دفعًا إلى التغريب، فمع الهزيمة الشاملة التي أصابت العالم الإسلامي أمام الغزو الأوروبي؛ كان الظن أو اتجاه الأحداث هو خضوع العالم الإسلامي للقانون الحضاري العام، وهو فناء المهزوم بالاندماج في حضارة المنتصر»([8]).
ومن أهم ما مَيَّز دعوة الشيخ المجدّد أنه التزم محكمات الشريعة ولم يأتِ بمذهب جديد ولا اخترع شيئًا جديدًا، بل كان حريصًا في الأصول على اتباع منهج السلف الصالح؛ فهو مُتّبع غير مُبتدِع محارب للبدعة والشرك وأهله. وفي الفروع التزم بمذهب الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-، وقد أشار الشيخ إلى أصول دعوته التجديدية والإصلاحية فقال: «أما ما نحن عليه من الدين فعلى دين الإسلام، وأما ما دعونا الناس إليه فندعوهم إلى التوحيد، وأما ما نهينا الناس عنه فنهيناهم عن الشرك ونقاتلهم عليه، وأما ما ذكرتم من حقيقة الاجتهاد فنحن مقلدون للكتاب والسنة وصالح سلف الأمة، وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة أبو حنيفة النعمان بن ثابت ومالك بن أنس ومحمد بن إدريس الشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله، وما جئنا بشيء يخالف النقل ولا ينكره إلا العقل..»([9]).
وقال الشيخ محمد بهجة البيطار -رحمه الله-: «ليس للوهابية ولا للإمام محمد بن عبد الوهاب مذهب خاصّ، ولكنه -رحمه الله- كان مجدِّدًا لدعوة الإسلام، ومتّبعًا لمذهب أحمد بن محمد بن حنبل» ([10]).
وقال الأمير شكيب أرسلان -رحمه الله- عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التجديدية: «ولكن المقرَّر أنها حركة إنابة إلى العقيدة الحق وهدي السلف الصالح، واقتفاء أثر الرسول والصحابة، ونَبْذ الخرافات والبدع، وحظر الاستغاثة بغير الله، ومنع التمسح بالقبور والتعبد عند مقامات الأولياء، ولذلك يُسَمُّونها عقيدة السلف، ويلقب الوهابيون أنفسهم سلفيين، وأكثر اعتمادهم في الاجتهاد على الإمام أحمد بن حنبل، والإمام ابن تيمية، وتلميذه ابن قيم الجوزية» ([11]).
لقد انطلق المنهج التجديدي للشيخ محمد بن عبد الوهاب من التمسك بمحكمات الدين والدعوة إلى نقاء التوحيد وصفائه، والعودة إلى ما كما كان عليه سلف هذه الأمة وأئمتها، ونبذ الشرك بجميع صوره، وتعبيد الناس لربهم، وحثّهم على اتباع السُّنَّة، وتربية الأمة على تعظيم حرمات الله، والتورُّع عن الشبهات، وبذل النفس والنفيس في سبيل إعزاز هذا الدين ونُصرة دعاته.
ولقد كان من الآثار المباركة لهذه الدعوة أن فضحت البدع والخرافات والمذاهب الضالة، وحذّرت المسلمين من الاغترار بها؛ فهاجمت الرافضة والمتصوفة والقبوريين وغيرهم من أهل التأويل والتعطيل.
وامتدت آثار هذه الدعوة المباركة خارج بلاد الحرمين حتى انتفعت بها بلدان العالم الإسلامي في الشام ومصر والمغرب العربي وإفريقيا والسودان واليمن والعراق والهند والباكستان وإندونيسيا وغيرها ممن تتلمذوا على يد الشيخ أو أبنائه وأحفاده أو تربوا على مؤلفاته وكتبه؛ فأعادت هذه الثلة المباركة تجديد مفهوم التوحيد في بلادهم، ونشأت أجيال مسلمة على سلامة المعتقد وصحة المنهج ورفض البدع والخرافات، وفي المقابل خفت نجم الصوفية، وانجفل الناس عنها، وعادت للمساجد رونقها الصافي، وأصبح اتباع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة من أهم محكمات الشريعة في غالب بلاد المسلمين.
لقد نتج عن هذه الدعوة المباركة وجود حركة علمية راشدة في مختلف بلاد المسلمين ابتعدت عن التقليد، وتشربت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في التمسك بمحكمات الدين، وتخرّج على مؤلفات هذه الدعوة المباركة علماء أفذاذ قاموا بالدعوة إلى التوحيد الخالص في العالم الإسلامي، متسلحين في ذلك بالعقيدة الصحيحة والاتباع التامّ لخير الأنام، ورَفْض البدع والانحرافات في العقيدة والسلوك، مع فَهْم أصول الشريعة ومحكماتها، مما ساعد على التخلُّص من غَبَش التصوُّرات واضطراب المناهج. وهكذا أثمرت هذه الدعوة التجديدية والإصلاحية المباركة ثمرات عظيمة على مرّ الأجيال، وستظل باقية -بإذن الله- تُؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها؛ ما بقي رجال مخلصون يتمسكون بمحكمات الدين وأصوله.
[1]- مدقق لغوي وباحث شرعي: Omarez1973@hotmail.com
[2]- رواه أبو داود (٤٢٩١) وصححه الألباني.
[3]- ثلاثة الأصول وشروط الصلاة والقواعد الأربع ١/٨.
[4]- مجموع مؤلفات الشيخ: 5 / 252.
[5]- تاريخ نجد: 1/78.
[6]- الإمام محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته ١/٢٥.
[7]- مجلة المنار : ٢٧/١٧٦.
[8]- السعوديون والحل الإسلامي، ص 109، باختصار يسير.
[9]- الرسائل الشخصية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الجزء السادس) ١/٩٥.
[10]- حياة شيخ الإسلام ابن تيمية، ص200.
[11]- هامش حاضر العالم الإسلامي ج١ص ٢٦٤.