الخلل المنهجي في دليل الحدوث

ملخص البحث

يعد دليل الحدوث أهم دليل عقلي في المنظومة الكلامية، وأشهر أصل عارضوا به دلالات النصوص الشرعية، وقد جعله المتكلمون معتمدهم في إثبات أكبر قضية علمية، وهي وجود الله تعالى، وتقوم حقيقته عندهم على أصلين هما:

الأول: إثبات حدوث العالم.

والثاني: إثبات كون المحدَث لا بد له من محدِث،

وخلصوا من هذا إلى أن العالم لا بد له من محدث مختار، وهو الله سبحانه وتعالى.

 وقد كانت لذلك الدليل آثار علمية في جميع العلوم الإسلامية، وآثار نفسية على عدد من المقتنعين به، وهي آثار واسعة الانتشار؛ فقد دخلت بعض مقدماته ولوازمه الخفية على عدد من أتباع المذاهب= فأثرت على قدر من تقريراتهم العلمية مع أنه عند التأمل في تركيبه ومنهجية الاستدلال فيه نجد أنه مشتمل على أخطاء منهجية ضخمة يستحيل معها الاعتماد عليه أو الوثوق به.

ويقصد البحث إلى بيان تلك الأخطاء المنهجية وإبرازها، وإقامة الأدلة الشرعية الواقعية على وجودها فيه أولا، وعلى بيان وجه الخطأ فيها ثانيا.

وهذه المهمة تتطلب أن يقوم البحث على فكرتين وهما:

الأولى: حقيقة دليل الحدوث وبيان أصوله ومقدماته.

والثانية: تحديد مواطن الخلل المنهجي فيه ولأجل هذا كان البحث مكونًا من مبحثين أصليين.


المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.... أما بعــــد: -

فقد ابتليت الأمة الإسلامية بحدوث علم الكلام فيها ونشأت بحدوثه منظومة غريبة مختلفة في تصوراتها وفي مجموع مكوناتها عن تلك المنظومة التي جاءت بها النصوص الشرعية واقتبسها المتقدمون من علماء الأمة من ذلك الوحي المعصوم.

وقد انتشر علم الكلام في الأمة وأخذ طوائف من الناس بما تضمه من دعاوى وأصول حتى غدوا ينسبون إليه فيقال لهم: المتكلمون.

وأخذ هؤلاء المتكلمون يؤلفون في علوم الإسلام المختلفة كأصول الدين والفقه وأصوله والتفسير والعربية بعلومها وكثرت تآليفهم فيها وكانوا يعتمدون أصول ذلك العلم الذي أقاموا عليه دينهم وبنوا عليه عقيدتهم فالتزموا بتلك الأدلة في مقدماتها وأصولها ولوازمها فلا يبنون قاعدة ولا ينفون أصلا إلا بناءً على ما تقضيه تلك الأصول حتى أضحى علم الكلام المرجع الأصلي في تصحيح الصحيح وإبطال الباطل في تصورهم.

ومن أشهر تلك الأصول وأوسعها انتشارًا وتوغلا في المنظومة الكلامية: دليل الحدوث ذلكم الدليل الذي يعد أصل الأصول التي تقوم عليها المنظومة الكلامية؛ لأنه متعلق بمسألة هي الأم في كل العلوم ألا وهي مسألة وجود الله تعالى؛ ولأجل هذا جعل له المتكلمون المكانة العالية وبوَّؤُوه المنزلة الرفيعة وأوسعوه شرحا وتحريرا وتدليلا وبيانا ودفعا لاعتراضات الخصوم عليه.

ومع ما له من منزلة إلا أنه دليل متشرب بالخلل المنهجي ومتشبع بالأخطاء المعرفية فقد توغَّلت فيه حتى وصلت إلى النُّخاع فشوهت صورته وأبطلت دلالته وأفسدت إمكان الاستفادة منه وعطلت الوظيفة التي جيء به من أجلها.

وهذا البحث يقصد إلى بيان تلك الأخطاء المنهجية التي يعاني منها دليل الحدوث ويثبت وجودها فيه بالأدلة الشرعية والواقعية وهذا القصد يستوجب أن يكون البحث مكونًا من مبحثين وهما:

المبحث الأول: حقيقة دليل الحدوث.

والمبحث الثاني: مواطن الخلل في دليل الحدوث.

وأسأله سبحانه بمنه وكرمه التوفيق لإتمام ما يستحقه كل مبحث إنه ولي ذلك والقادر عليه.

المبحث الأول

حقيقة دليل الحدوث

توطئة:

انطلق المتكلمون في منظومتهم الكلامية من عدِّ وجود الله تعالى قضية نظرية عند كل الناس ومن ثم لا بد من الاستدلال على إثبات صحتها وإقامة الأدلة عليها وقد تعددت الأدلة التي ذكرها المتكلمون في إثبات وجوده سبحانه وتنوعت طرائقهم في ذلك([1]) ومن أشهر أدلتهم وأكثرها اعتمادا عند جمهورهم: دليل الحدوث فهذا الدليل هو الحجة المعتمدة عند المعتزلة كما قال القاضي عبدالجبار([2]) وكذلك هو عند جمهور الأشاعرة وفي هذا يقول الباقلاني لما ذكر دليل الحدوث: "وهذا الطريق من الكلام في حدوث الأجسام هو المعتمد في هذا الباب"([3]).

ويقول ابن تيمية عن طريقة الاستدلال بدليل الحدوث: "هي الطريقة المشهورة عند الجهمية والمعتزلة ومن اتبعهم من الأشعرية والكرامية ومن دخل في ذلك من الفقهاء: أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم"([4]).

وقد ذكر الأشعري والخطابي أن المتكلمين أخذوا هذه الطريقة من الفلاسفة([5]) ولكن هذه النسبة المطلقة غير دقيقة؛ لأن "كثيرا من الفلاسفة يبطل هذه الطريقة كأرسطو وأتباعه فلم يوجد عنهم ومن الفلاسفة من يقول بها والذين قالوا بها من أهل الكلام ليس كلهم أخذها عن الفلاسفة بل قد تتشابه القلوب...وأكثر المتكلمين السالكين لها مناقضون للقول المشهور عن الفلاسفة لا موافقون لهم بل يردون على أرسطو وأصحابه في المنطق والطبيعيات والإلهيات"([6]).

والبحث في هذا الدليل متشعب جدا من جهات كثيرة: من جهة نشأته وتاريخه وتطوره ومن جهة طرائق تقريره ومن جهة مقدماته ودلائلها ومن جهة لوازمه وآثاره وتفصيل القول في هــذه الأمور كلها يحتاج إلى أوقات طويلة وجهود مضنية وقد اهتم المتكلمون وغيرهم بشرح ذلك مفصلا وذلك في كتب مفردة وفي ضمن كتب العقائد.

والبحث هنا لا يقصد إلى تفصيل القول فيه وإنما يقصد إلى إعطاء صورة مختصرة عنه مع بيان مواطن الخلَل المنهجي التي وقعت فيه وتسببت في بطلانه واستحالة الاعتماد عليه كدليل على وجود الله تعالى.

وسيُقتَصر في بيان حقيقته على ذكر ثلاثة أمور هي:

الأمر الأول: مفهوم دليل الحدوث وأسماؤه.

الأمر الثاني: منزلة دليل الحدوث عند المتكلمين.

الأمر الثالث: أصوله ومقدماته.

وإنما اقتصر البحث على هذه الأمور؛ لأنه بإدراكها يتحصل المرء على تصور كاف في معرفة حقيقة هذا الدليل.

* أولا: مفهوم دليل الحدوث وأسماؤه.

درج كثير من الذاكرين لهذا الدليل على الشروع في مقدماته مباشرة من غير ذكر لتعريفه وبيان مفهومه ومع هذا يمكن أن يبين مفهوم هذا الدليل بأن يقال: هو إثبات حدوث العالم بوقوع التغير فيه والاستدلال على وجود الله تعالى بذلك بحيث إن المرء يستدل بوقوع التغيُّر والتجدُّد في هذا العالم على ضرورة كونه مخلوقا وإذا كان مخلوقا فإنه لا بد له من محدث يجعله كذلك وهو الله سبحانه وتعالى.

وقد أُطلق على هذا الدليل أسماء وألقاب كثيرة ومن تلك الأسماء: دليل الحدوث ودليل الجواهر والأعراض ودليل الأجسام ودليل حلول الحوادث ودليل حدوث الأجسام ودليل حدوث الأعراض وغيرها من الأسماء([7]).

* ثانيا: منزلة دليل الحدوث عند المتكلمين.

توارد كثير من المتكلمين على تعظيم دليل الحدوث والإعلاء من شأنه فجعلوه من أصول الدلائل الكبيرة التي لا يتحقق إيمان المرء إلا بمعرفتها وسلكه أكثرهم في إثبات وجود الله تعالى([8]) فلا يمكن العلم بوجود الله تعالى عند الماتريدي إلا بمعرفة حدوث العالم وفي هذا يقول: "والأصل أن الله تعالى لا سبيل إلى العلم به إلا من طريقة دلالة العالم عليه"([9]) ويقول الغزالي: "من لا يعتقد حدوث الأجسام فلا أصل لاعتقاده في الصانع أصلا"([10]) ويقول النسفي: "من المحال أن يكون من لا علم له بحدوث العالم وثبوت الصانع ووحدانيته وثبوت النبوة مؤمنا"([11]).

 بل قد جعل القاضي عبدالجبار العلم به أول واجب على العبد؛ لأنه محل النظر الذي هو طريق لمعرفة الله تعالى وفي هذا يقول: "فإن قال قائل: فبينوا لي محل ما يلزم في التوحيد أن يعرفه قيل له: يدور ذلك على خمسة أصول: أولها: إثبات حدوث العالم "([12]).

وقرر بعض المتأخرين من المتكلمين أن العلم بحدوث العالم أصل كل العقائد؛ وذلك لأن العلم بوجود الله تعالى لا يكون إلا بالعلم به والعلم بصدق النبي r لا يكون إلا بعد العلم بوجود الله تعالى والشرائع لا تثبت إلا بالنبوة فصار دليل الحدوث أصلًا لكل شرائع الدين على قولهم وفي هذا يقول السنوسي: "اعلم أن حدوث العالم أصل عظيم لسائر العقائد وأساس كبير لما يأتي من الفوائد"([13]) وبالغ بعض الأشاعرة في الاهتمام بهذا الدليل حتى ذكر ابن العربي أن مما يجب على المصلي "عند الإحرام-بالصلاة- أن يذكر حدوث العالم وأدلته وإثبات الأعراض واستحالة عرو الجواهر عنها وإبطال حوادث لا أول لها وأدلة العالم بالصانع وإثبات الصفات وما يجب له تعالى- وما يستحيل وما يجوز..."([14]) ويقول ابن تيمية مبينا منزلة حجة الحدوث عند المتكلمين: "جعلوا صحة دين الإسلام موقوفا عليها؛ وذلك أنه موقوف على الإيمان بالرسول والإيمان به موقوف على معرفة المرسِل وزعموا أن المرسِل لا يعرف إلا بها قالوا: لأنه لا يُعرف إلا بالنظر والاستدلال المفضي إلى العلم بإثبات الصانع قالوا: ولا طريق إلى ذلك إلا بإثبات حدوث العالم"([15]).

* ثالثا: أصول دليل الحدوث ومقدماته:

تعددت طرائق المتكلمين في تقرير حقيقة دليل الحدوث وتنوعت أساليبهم في بيانه فمنهم من يجعله قائما على مقدمتين ومنهم من يفصل فيجعله قائما على أربع مقدمات ومن جعله كذلك اختلفوا في تحديد تلك المقدمات وترتيبها ومنهم من يزيد في مقدماته فيوصلها إلى سبع([16]).

ويمكن أن يُحصل من مجموع كلامهم طريقة مختصرة تظهر بها حقيقة هذا الدليل وتتـبين وذلك بأن يـقال: إن دليل الحدوث قائم على أصلين كليين([17]) وهما:

الأصل الأول: إثبات حدوث العالم.

والأصل الثاني: إثبات كون المحدَث لا بد له من محدِث.

والمراد بالأصل هنا: القاعدة الكلية التي يبنى عليها غيرها([18]) وهذان الأصلان ترجع إليهما جميع المباحث التي يذكرها المتكلمون حول هذا الدليل.

أما الأصل الأول: وهو إثبات حدوث العالم فقد قرر جمهور المتكلمين أن العالم وهو كل ما سوى الله تعالى([19]) مكون من أمرين جواهر وأعراض وقرروا أن الجواهر لا يمكن أن تنفك عن الأعراض وأن الأعراض متغيرة فخلصوا من هذا إلى أن العالم لا بد أن يكون محدثا مخلوقا.

وبهذا التقرير يُعـلم أن الأصل الأول قائم على أربع مقدمات وهي:

المقدمة الأولى: إثبات الأعراض والأعراض جمع عرض وله في اصطلاح المتكلمين حدود كثيرة من أشهرها: أن العرض هو: ما يقوم بغيره([20]).

وقد استندوا إلى أدلة كثيرة في إثبات وجوده([21]) ومن أشهر أدلة وجوده عند الماتريدية والأشاعرة: هو أن الجسم تطرأ عليه التغيرات فهو تارة يكون ساكنا وتارة يكون متحركا وتارة يكون متلونا بلون معين ثم يتغير ذلك اللون إلى لون آخر وهذا التغير لا يصح أن يكون مرجعه الجسم نفسه؛ لأنه لو كان كذلك لكان باقيا على أحواله دائما وفي بيان هذا الدليل يقول النسفي: "الجوهر قد يكون ساكنا ثم يتحرك وهكذا على القلب ولو لم تكن الحركة والسكون معنيين وراء ذات الجوهر بل لو كانا راجعين إلى ذاته لكان في الأحوال أجمع ساكنا متحركا لوجود ذاته الموجب لهما ولمَاَ اختص كل صفة بحالة على حدة"([22]).

وأما المعتزلة فقد استندوا على كون الجسم لا يخلو من الأكوان الأربعة وهي: الاجتماع والافتراق والحركة والسكون([23]) وما لا يخلو من هذه الأكوان لا بد أن يكون مخلوقا.

 ودليل المعتزلة في المآل مقارب لدليل الأشاعرة والماتريدية؛ لأن الأكوان الأربعة جزء من الأعراض في الحقيقة.

 المقدمة الثانية: إثبات حدوث الأعراض وهذه المقدمة اختلف فيها المتكلمون فمنهم: من يرى أن حدوث الأعراض ضروري لا يحتاج إلى دليل؛ لأنه يقع بالمشاهدة والحس وهذا القول قال به الماتريدية كما ذكره النسفي وبعض الأشاعرة([24]) ومنهم: من يرى أنها نظرية لا تُعلم إلا بالدليل ومن هؤلاء: جمهور الأشاعرة وقد استندوا في إثباتها على دليل التعاقب وحاصله: أن الأعراض المتضادة تتعاقب في محالها ونحن نستيقن بناءً على ذلك أن الوصف الطارئ حادث؛ لأنه كان معدوما ونستيقن أن الوصف الزائل حادث أيضا؛ لأنه زال بعد وجوده وما حدث بعد عدمه أو زال بعد وجوده فهو حادث وفي بيان هذا الدليل يقول الجويني: "الدليل على حدوث الأعراض أنا نرى الأعراض المتضادة تتعاقب على محالها فنستيقن حدوث الطارئ منها من حيث وُجِدت ونعلم حدوث السابق منها من حيث عُدمت؛ إذ لو كانت قديمة لاستحال عدمها؛ لأن القدم ينافي العدم"([25]) وهذا الدليل استند إليه المعتزلة أيضا ([26]).

 المقدمة الثالثة: استحالة تعري الجواهر من الأعراض وقد اختلف المتكلمون في تقرير دليلها فاستند الأشاعرة إلى أن الضرورة تقتضي أن الجسم يستحيل أن يخلو من الأوصاف المتضادة كالاجتماع والافتراق؛ لاستحالة ارتفاع النقيضين وهذا يلزم منه ضرورة اتصاف الجسم بأحد الوصفين وبالتالي يقتضي امتناع خلو الجسم من الأعراض([27]) وهذا التقرير استند إليه الماتريدية أيضا([28]).

وأما المعتزلة فاستندوا إلى أن الجسم لا بد أن يكون متحيزا والجسم المتحيز لا يمكن أن يخلو من أحد الأكوان الأربعة وهذا يقتضي أن الجسم لا يخلو من الأعراض (الأكوان الأربعة )([29]).

المقدمة الرابعة: وهذه المقدمة اختلف المتكلمون في تحديد صورتها على قولين([30]):

القول الأول في صورتها: أن ما لم يسبق الحوادث فهو حادث وهذا القول قرره الباقلاني والقاضي عبد الجبار وغيرهما([31]).

واستندوا في تقريره إلى أن الجسم إذا لم يمكن أن ينفك عن الأعراض فهو لا بد أن يكون معها أو بعدها وكل من المعية أو البعدية تقتضي عدم تقدم الجسم على الأعراض فالجسم إذن لا يمكن أن يسبق الأعراض وفي بيان هذه الحجة يقول الباقلاني: "إذا بطل أن يكون الجسم عاريا عن الحوادث ومنفكا من سائرها وجب أنه ليس له معها إلا حالان: إما أن يكون موجودا مع وجودها أو بعدها فإن كان موجودا مع وجودها ولوجودها أول فواجب أن يكون حكمه في الوجود عن أول وحصوله عن عدم حكمها وذلك يوجب حدوثه من حيث شركها في علة الحدوث متى لم يكن سابقا لها وإن كان موجودا بعدها كان أولى بالحدوث منها؛ لوجوده بعدها"([32]).

وهذه الحجة فيها إجمال فهي لم تُوضِح المراد بالحوادث هنا هل المراد بها جنس الحوادث أم أفرادها؟ والدليل لا يقوم إلا إذا كان المراد جنس الأعراض؛ ولهذا حاول المتأخرون من المتكلمين الخروج من هذا الإجمال فقالوا بصورة أخرى لهذه المقدمة.

والقول الثاني: أن صورة المقدمة هي: استحالة حوادث لا أول لها وقد قال بهذا القول أبو الحسين البصري والجويني والشهرستاني والرازي وتوارد عليه كثير من المتكلمين من بعد.

 وهم إنما قالوا بهذا القول حتى يتخلصوا من ذلك الإجمال الذي وقع فيه من سبقهم وفي هذا يقول ابن تيمية: "ولما تفطن كثير من أهل الكلام لما في هذه المقدمة من الإجمال والإبهام وأنه لا بد من بيان هذه المقدمة في هذا الموضع ميزوا بين النوعين كما فعل ذلك أبو الحسين البصري وأبو المعالي الجويني والشهرستاني والرازي وغيرهم فعرفوا أن المراد أنه ما لم يسبق جنس الحوادث لا عين الحوادث وأن ذلك لا يتم إلا ببيان أن الحوادث يجب أن يكون لها ابتداء وأنه يمتنع وجود حوادث لا يتناهى نوعها فأخذوا يحتجون على ذلك بما ذكرنا اعتراض الناس عليه في غير هذا الموضع ولهذا جعل أبو الحسين وأبو المعالي ونحوهما هذا الدليل مبنيا على أربع مقدمات: إثبات الأعراض وإثبات حدوثها وإثبات استلزام الجسم لها واستحالة حوادث لا أول لها وجعلوا النتيجة أن ما لا يسبق الحوادث فهو حادث "([33]).

وقد استند المتكلمون في تقرير هذا القول إلى أنواع من الأدلة([34]) ومن أشهرها ما يسمى بدليل التطبيق وحاصله: أنه لو فُرض وجود سلسلتين تبدأ إحداهما من زمن الطوفان إلى ما لا نهاية في الماضي والأخرى من زمن الهجرة إلى ما لا نهاية له في الماضي فإنه عند التطبيق بين هاتين السلسلتين بحيث يقع في مقابل كل حلقة من الأولى حلقة من الثانية فإن الأمر لا يخلو من حالين:

الأول: أن تتساوى السلسلتين وهذا محال؛ لأنه يلزم منه أن يكون الزائد مثل الناقص.

والثاني: أن تتفاضل وهذا محال أيضا؛ لأنه يلزم منه أن يقع التفاضل فيما لا نهاية له.

فإذا كان الأمر كذلك فإنه لا بد أن نقول أنها غير متناهية؛ لأن هذا الأمر هو الأمر الذي لا تلزم عليه تلك المحالات وهذا يعني أن الحوادث لها ابتداء([35]).

فهذه المقدمات الأربع قرر بها المتكـلمون صحة الأصل الأول وهو حدوث العالم.

وأما الأصل الثاني: وهو: أن كل حادث لا بد له من محدِث فقد اختلف المتكلمون فيه فمنهم: من جعله من الأمور الضرورية التي لا تحتاج إلى استدلال ومن هؤلاء: الغزالي والرازي في بعض كتبه([36]) ومنهم: من جعله من الأمور النظرية واستدلوا عليه بأدلة كثيرة ومن تلك الأدلة: القياس وقد بين صورته القاضي عبدالجبار إذ يقول: "يدل عليه تصرفاتنا في الشاهد فإنها محتاجة إلينا ومتعلقة بنا وإنما احتاجت إلينا لحدوثها فكل ما شاركها يعني تصرفاتنا في الحدث وجب أن يشاركها في الاحتياج إلى محدث وفاعل والأجسام قد شاركتها في الحدث فيجب احتياجها إلى محدث وفاعل"([37]) واستدل بعض الأشاعرة بدليل التخصيص وحاصله:أن الممكن جائز وجوده في كل وقت فلا فضل لوقت دون وقت فاختصاصه بالوجود في وقت دون وقت يحتاج إلى مخصص لاستحالة ترجيح أحد الممكنين بلا مرجح([38])

فلما قرر المتكلمون هذين الأصلين خلصوا إلى نتيجة وهي: أن خالق هذا العالم هو الله تعالى؛ لأن الخلق لا يمكن أن يكون إلا من فاعل مختار وهو الله سبحانه([39]).

المبحث الثاني

الأخطاء المنهجية في دليل الحدوث:

توطئة:

نقد المحققون من العلماء دليل الحدوث وبينوا ما فيه من خلل ونقص وأكدوا عدم صلاحيته لما وُضع له وفي هذا يقول ابن تيمية عن دليل الحدوث: "المحققون على أنها طريقة باطلة وأن مقدماتها فيها تفصيل وتقسيم يمنع ثبوت المدعي بها مطلقا ولهذا تجد من اعتمد عليها في أصول دينه فأحد الأمرين له لازم: إما أن يطلع على ضعفها ويقابل بينها وبين أدلة القائلين بقدم العالم فتتكافأ عنده الأدلة أو يرجح هذا تارة وهذا تارة كما هو حال طوائف منهم"([40]).

والنقد الذي يوجه إلى هذا الدليل يمكن أن يكون بطريقين هما:

الأول: طريق منهجي والمراد به: أن تبين الأخطاء الكلية ( المنهجية) التي وقعت في ذلك الدليل من غير نظر إلى ما وقع في آحاد أدلته ومقدماته على جهة الخصوص وإنما يبين مدى توفر صفات الدليل الصحيح فيه ومدى مطابقته لما وضع له على سبيل العموم.

والثاني: طريق تفصيلي والمراد به نقد كل جزء من مكوناته التي وقع فيه الغلط سواء أمقدمة كانت أم دليلا أم نتيجة وهذا النوع من النقد هام جدا؛ لأنه يثبت به بطلان كثير من مقدماته وأصوله التي يقوم عليها كالقول باستحالة حوادث لا أول لها والقول بالجوهر الفرد وتماثل الأجسام والقول بأن القابل للضدين يستحيل خلوه من أحدهما ونحو ذلك من المقدمات والأصول التي يقوم عليها دليل الحدوث وقد تتبع عدد من العلماء تلك المواطن في دليل الحدوث وبينوا عدم صحتها([41]).

والطريق الذي سيُسلَك هنا هو الطريق المنهجي وهذا الطريق هام جدا أيضا؛ لأن الأخطاء الكلية المنهجية تعد أصلا وأساسا للأخطاء التفصيلية التي وقعت في دليل الحدوث فبيانها والتدليل على خطئها يمثل الخطوة الأولى الأساسية في بيان عطبه وفساد تركيبه وبنائه وذلك أن البحث في الأخطاء المنهجية هو في حقيقته بحث في مدى توفر شروط صحة الدليل ومعالمه الأساسية التي ينبغي لكل دليل أن يتصف بها ويسير على مقتضاها ويدل فقدانها من الدليل على تشوه صورته وتعثر طريقه في الوصول إلى المقصود منه بوضوح وسهولة.

فمن المعلوم أن كل دليل لا بد أن تتوفر فيه أوصاف يكون بها طريقا صحيحا سليما وتلك الأوصاف: إما أن تكون راجعة إلى مستند الدليل ومستمده وإما أن تكون راجعة إلى صحة مقدماته وأصوله وإما أن تكون راجعة إلى طريقة تركبيه وكيفية الانتقال فيه بين مقدماته ونتائجه وإما أن تكون راجعة إلى مناسبته لأحوال المستدلين وإما أن تكون راجعة إلى ما يستلزمه من لوازم ومن يتأمل طرق القرآن في الاستدلال يجد أنها متصفة بكل أوصاف الكمال التي لا بد من توفرها في الدليل وفي بيان تلك الأوصاف يقول ابن القيم: "والله سبحانه حاج عباده على ألسن رسله وأنبيائه فيما أراد تقريرهم به وإلزامهم إياه بأقرب الطرق إلى العقل وأسهلها تناولا وأقلها تكلفا وأعظمها غناء ونفعا وأجلها ثمرة وفائدة فحججه سبحانه- العقلية التي بينها في كتابه جمعت بين كونها عقلية سمعية ظاهرة واضحة قليلة المقدمات سهلة الفهم قريبة التناول قاطعة للشكوك والشبه ملزمة للمعاند والجاحد ولهذا كانت المعارف التي استنبطت منها في القلوب أرسخ ولعموم الخلق أنفع وإذا تتبع المتتبع ما في كتاب الله مما حاج به عباده في إقامة التوحيد وإثبات الصفات وإثبات الرسالة والنبوة وإثبات المعاد وحشر الأجساد وطرق إثبات علمه بكل خفي وظاهر وعموم قدرته ومشيئته وتفرده بالملك والتدبير وأنه لا يستحق العبادة سواه وجد الأمر في ذلك على ما ذكرناه من تصرف المخاطبة منه سبحانه- في ذلك على أجل وجوه الحجاج وأسبقها إلى القلوب وأعظمها ملاءمة للعقول وأبعدها من الشكوك والشبه في أوجز لفظ وأبينه وأعذبه وأحسنه وأرشقه وأدله على المراد"([42]).

فالدليل الذي يراد منه إثبات قضية شرعية لا سيما إن كانت وجود الله تعالى- لا بد أن تتوفر فيه نفس الأوصاف التي تتصف بها براهين الشرع([43])؛ إذ هي المثل الذي يحتذى به وكلما فقد الدليل وصفا من تلك الأوصاف كلما نقصت منزلته وساءت حاله وصفعت دلالته.

ومن يتأمل أكثر طرق المتكلمين في الاستدلال وخاصة دليل الحدوث الذي هو محل البحث هنا- يدرك بأدنى نظر أنها فاقدة لأوصاف الدليل الصحيح ومتشربة بالأخطاء المخالفة لما ينبغي أن يكون الدليل عليه.

والأخطاء المنهجية التي اشتمل عليها دليل الحدوث متنوعة: منها ما يرجع إلى مستنده ومستمده ومنها ما يرجع إلى منطلقه وغرضه الأصلي ومنها ما يرجع إلى طريقة تركيب مقدماته ونتائجه ومنها ما يرجع إلى فقدان مناسبته لأحوال المكلفين ومنها ما يرجع إلى لوازمه المعرفية.

والنقد المنهجي لدليل الحدوث هو في مآله إبراز لما فقده من أوصاف الدليل الصحيح ولما تلبس به من أوصاف مخالفة لطريقة البراهين المستقيمة وإثبات لتوغل الأوصاف المنافية لمنهجية الاستدلال في بنيته المعرفية.

ويتحصل ذلك النقد المنهجي ببيان مواطن الخلل الكلية فيه وهي كما يلي:

الخلل الأول: أن هذا الدليل بدعة في دين الله تعالى لم يدع إليه النبي r ولا أصحابه ولا التابعون لهم ولم يستعملوه في دينهم وهذا معلوم من حالهم بالضرورة فلو كان دليلا معتبرا في معرفة الله تعالى لدعوا إليه ولاستعملوه ولكنهم لم يفعلوا شيئا من ذلك فكيف يكون مع هذا هو الدليل المعتمد في معرفة الله تعالى- كما زعموا فهل يُعقل أن النبي r لم يعرفه ولم يدع إليه أحدا ممن كان يسلم على يديه؟! ولم يعرفه أحد من أصحابه ولا أحد من التابعين لهم بإحسان ثم يكون مع ذلك دليلا معتمدا في معرفة الله؟! ودليل الحدوث بهذا الحال فاقد للمستند الشرعي الذي يؤهله لأن يكون دليلا معتمدا على قضية شرعية كبيرة.

ولهذا فقد قرر كثير من العلماء بدعية هذا الدليل وعدم شرعيته ومن هؤلاء: الأشعري فقد نقل ابن تيمية عنه أنه يرى أن: "تصديق الرسول r ليس موقوفا على دليل الأعراض وأن الاستدلال به على حدوث الأعراض من البدع المحرمة في دين الرسل"([44]).

وممن صرح ببدعية هذا الدليل: الخطابي إذ يقول: "إنا لا ننكر أدلة العقول والتوصل بها إلى المعارف ولكنا لا نذهب في استعمالها إلى الطريقة التي سلكتموها في الاستدلال بالأعراض وتعلقها بالجواهر وانقلابها فيها على حدوث العالم وإثبات الصانع ونرغب عنها إلى ما هو أوضح بيانا وأصح برهانا وإنما هو الشيء أخذتموه عن الفلاسفة وتابعتموهم عليه"([45]).

وممن صــرح ببدعية هذا الدليل أيضا: أبو القاسم الأصفهاني وفي بيان هذا يقول: "أنكر السلف الكلام في الجوهر والأعراض وقالوا لم يكن على عهد الصحابة والتابعين رضي الله عن الصحابة ورحم التابعين ولا يخلو أن يكونوا سكتوا عن ذلك وهم عالمون فيسعنا السكوت عما سكتوا عنه أو يكونوا سكتوا عنه وهم غير عالمين به فيسعنا أن لا نعلم ما لم يعلموه"([46]) والمقصود من كلام الأصفهاني هو تقرير بدعية حجة الحدوث وأما ما ذكره من حجة فهي غير لازمة؛ لأنه ليس كل ما لم يعلمه السلف يلزم أن يكون باطلا ومذموما.

وممن صرح ببدعية هذا الدليل: الغزالي في بعض كتبه وفي هذا يقول: "فليت شعري من نقل عن النبي r أو عن الصحابة رضوان الله عليهم أنهم قالوا لمن جاءهم مسلما الدليل على أن العالم حادث: أنه لا يخلو عن الأعراض وما لا يخلو عن الأعراض حادث"([47]).

وممن صرح ببدعية ذلك الدليل وأعاد الكلام في ذلك كرة بعد كرة: ابن تيمية وكلامه في هذا كثير جدا ومن ذلك قوله: "فهذه الطريقة مما يعلم بالاضطرار أن محمدا r لم يدع الناس بها إلى الإقرار بالخالق ونبوة أنبيائه؛ ولهذا قد اعترف حذاق أهل الكلام كالأشعري وغيره بأنها ليست طريقة الرسل وأتباعهم ولا سلف الأمة وأئمتها وذكروا أنها محرمة عندهم"([48]) وقال أيضا عن طريقة الحدوث: "طريقة مبتدعة في الشرع باتفاق أهل العلم بالسنة"([49]).

ومما ينبغي أن ينبه عليه هنا أن هذا الوجه لا يقتضي بالضرورة بطلان تلك الطريقة وإن كان يقتضي ذمها وعدم شرعيتها؛ ولهذا فإنه ليس كل من قال ببدعية دليل الحدوث يقول ببطلانه وهذا المعنى كرر ابن تيمية التنبيه عليه في مواطن ومن ذلك قوله عمن ذم دليل الحدوث: "منهم من يذمها لأنها بدعة في الإسلام فإنا نعلم أن النبي r لم يدع الناس بها ولا الصحابة؛ لأنها طويلة مخطرة كثيرة الممانعات والمعارضات فصار السالك فيها كراكب البحر عند هيجانه وهذه طريقة الأشعري في ذمه لها والخطابي والغزالي وغيرهم ممن لا يفصح ببطلانها"([50]).

وقد حاول المتكلمون أن يبحثوا عن مستند شرعي لدليل الحدوث فتمسكوا بقصة إبراهيم r حين استند إلى أفول الكواكب في إثبات إبطال إلهيتها ووجه تمسكهم: أن إبراهيم r استدل على حدوث الكواكب والشمس والقمر بالأفول والأفول هو الحركة والحركة تقتضي التغير فيلزم من ذلك أن كل متغير محدث([51]) وتمسكهم بهذه القصة قديم فقد ذكره الدارمي عن المريسي([52]) ثم توارد المتكلمون على الاعتماد عليه.

ولكن تمسكهم هذا غير صحيح ولا ينفعهم في شيء وبيان ذلك: أن يقال: إن استدلالهم بالقصة مبني على مقدمتين خاطئين هما:

المقدمة الأولى: أن إبراهيم كان يقصد إثبات وجود الله تعالى وهذا غير صحيح؛ لأن إبراهيم لم يكن يعتقد أن الكواكب يمكن أن تكون هي الخالقة لهذا الكون وأنها الرب الأزلي له ولا كان قومه يعتقدون ذلك بل كانوا مقرين بوجود الله تعالى وأنه الخالق المدبر فقوم إبراهيم لم يكونوا يعتقدون في الكواكب أنها تخلق أو تدبر وإنما كانوا يتخذونها أصناما يدعونها ويتقربون إليها بأنواع القربات وقد أخبر الله تعالى- عنهم بأنهم كانوا مقرين بوجوده سبحانه كما في قوله تعالى: (قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ) (الشعراء: 75-77) فاستثنى إبراهيم ربَّ العالمين الذي كانوا يعبدونه ويقرون بوجوده وتبرأ مما سواه وكذلك فإن القرآن لم ينقل عنهم أنهم ممن ينازع في وجود الله تعالى - فضلا عن أنه لم يُنقل عن أمة من الأمم أنهم كانوا يثبتون مع الله خالقا آخر([53]) فالمناظرة إذن لم تكن في سياق إبطال كون الكواكب خالقة مدبرة للكون وإنما في سياق إبطال كون الكواكب تستحق أن تصرف لها العبادة.

            ومما يدل على أن القصة لم تكن في مقام إثبات وجود الله -تعالى -: أن سياق الآيات (سباقها ولحاقها) كله في إثبات تفرد الله تعالى- باستحقاق العبودية وإبطال عبادة الأصنام؛ فقد ابتدأ السياق بذكر دعوة إبراهيم لأبيه آزر لترك الأصنام وعبادة الله وحده وانتهى بإعلان إبراهيم البراءة من كل معبود سوى الله تعالى- فهذا السياق يدل بوضوح على أن موضوع المناظرة كان في إثبات تفرد الله -تعالى- بالإلهية لا في إثبات وجوده سبحانه- ويدل أيضا على أن إبراهيم لم يرد إثبات أن الكواكب ليست خالقة للكون وإنما أراد إثبات أن الكواكب ليست مستحقة للعبادة والفرق بين الأمرين ظاهر.

وأما وجه دلالة الأفول على انتفاء الإلهية عن الكواكب بناءً على أنها كانت موضوع المناظرة: فلأن الأفول المستمر والمنتظم لتلك الكواكب المخلوقة يدل على أنها مسخرة من قبل غيرها لا تملك لنفسها شيئا وإنما هي خاضعة لمن جعلها كذلك فهي تظهر وتختفي كل يوم ولا تحيد عن ذلك يمينا أو شمالا ومن كان حاله كذلك فإنه لا يصلح أن يكون إله؛ لأنه لا يملك لنفسه شيئا فكيف يملك لغيره؟([54]).

وأما المقدمة الثانية وهي: أن إبراهيم استدل على وجود الله تعالى- بانتفاء الأفول عنه -الذي هو الحركة عندهم- وأنه جعل دليل وجوده سبحانه- عدم قيام التغير به.

وهذا غير صحيح أيضا وتتبين عدم صحته بالأمور التالية:

1- أن الأفول ليس هو الحركة كما زعموا بل هو المغيب والاختفاء فإنه لا يقال لكل متحرك: إنه آفل فلا يقال للماشي مثلا أو للمصلي أنه تأفل فهذا لا يعرف في لغة العرب بل إن تفسير الأفول بالحركة مخالف لإجماع أهل اللغة فلم يفسره أحد منهم بذلك بل أجمعوا على تفسيره بالمغيب وفي هذه يقول الأزهري: "يقال: أفلت الشمس تأفل وتأفل أفلا وأفولا فهي آفلة وكذلك القمر يأفل إذا غاب "([55]) وقال ابن فارس: "أفلت الشمس: غابت ونجوم أُفّل وكل شيء غاب فهو أفل.... وإبراهيم عليه السلام قال: "لا أحب الآفلين " حين غابت الكواكب واحتجبت"([56]) وقد توارد أهل اللغة على تقرير هذا المعنى ولم يشذ منهم أحد([57]).

وهو مخالف أيضا لما أجمع عليه المفسرون من الصحابة والتابعين وعلماء السلف فإنه لم يفسر أحد منهم الأفول بالحركة وإنما تواردوا على تفسيره بالمغيب([58]).

2- أن تفسير الأفول بالحركة مخالف لطريقة الاستدلال في القصة فإن إبراهيم r لو أراد أن يعتمد على الحركة في إثبات بطلان ربوبية الكواكب لاستدل بأول بزوغها وتحركها فهو لم يبدأ في الاستدلال بها من أول ظهورها وإنما انتظر حتى الأفول كما قال تعالى: "فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قومي إني بريء مما تشركون" فإبراهيم لم يجعل الحركة والانتقال مستنده في الاستدلال؛ إذ لو كانت مستنده لقال: انظروا إليها كيف تبزغ وتتحرك من بداية بزوغها وهو أيضا لم يقل: إني لا أحب المتحركين([59]).

ولأجل هذه المخالفة اعترف العز ابن عبد السلام بكون استدلالهم بالقصة مشكلا فقال عن اعتمادهم عليها: هو "مشكل غاية الإشكال؛ لأن الدال على عدم إلهية الكوكب: إن كان التغير فقد وُجد قبل الأفول فلا معنى لاختصاصه به وإن كان الغيبة عن البشر فيلزم في حق الله تعالى وإن كان كونه انتقل من كمال إلى نقصان فقد كان ناقصا عند الإشراق وأيضا فذلك معلوم له قبل الأفول أنه يأفل وأنه في المشرق مساوِ لحالته في المغرب"([60]).

وعند التأمل في طريقة استدلال إبراهيم r فإنا نخلص إلى أمرين هامين هما:

الأول: أن الأفول ليس هو مجرد حركة؛ لأنه فرق بين البزوغ الذي يقتضي الحركة بالضرورة وبين الأفول.

والثاني: أن طريقة الاستدلال في القصة تدل على نقيض ما أراده المتكلمون منها وقد بين ابن تيمية وجه ذلك فقال: "فإن كان إبراهيم إنما استدل بالأفول على أنه ليس رب العالمين - كما زعموا -: لزم من ذلك أن يكون ما تقدم الأفول - من كونه متحركا منتقلا - تحله الحوادث؛ بل ومن كونه جسما متحيزا: لم يكن دليلا عند إبراهيم على أنه ليس برب العالمين وحينئذ فيلزم أن تكون قصة إبراهيم حجة على نقيض مطلوبهم؛ لا على نفس مطلوبهم"([61]).

الخلل الثاني: أن هذه الطريقة تلبست بأوصاف مذمومة في الشرع والعقل ومن تلك الأوصاف: الصعوبة والغموض والتطويل والإجمال وكثرة التفصيلات فهذه الأمور تشرب بها دليل الحدوث وتشبعت بها مقدماته وأصوله وهو بتلك الأوصاف غدا طريقا وعرا السالك له لا يصل إلى مطلوبه إلا بعد أن يجتاز عقبات كبيرة هي غاية في التعقيد والإشكال حار فيها كبار أئمة علم الكلام حتى صرح عدد منهم بتوقفه وقلقه ولا شك أن ذلك الحال يتناقض مع أصل المقصود من الاستدلال فمن المعلوم أن الغرض الأصلي من إقامة الأدلة: توضيح الفكرة وتبينها وتثبيتها وهذا القصد يتطلب الوضوح والاختصار والتبيين والانضباط كما هو الحال في أدلة الشرع المطهر ودليل الحدوث لم يتصف بشيء من ذلك بل هو على النقيض متصف بما هو مناقض لأصل الاستدلال فكيف يُطلب من الناس في معرفة ربهم وإقامة إيمانهم به أن يسلكوا طريقا وعرة غامضة طويلة كثيرة المهالك؟!.

ولهذا فقد توارد كثير من العلماء على ذم هذا الدليل لتحقق الأوصاف المنافية للاستدلال فيه([62]) ومن هؤلاء: الأشعري فإنه قال في معرض ذمه لحجة الأعراض: "الأعراض لا يصح الاستدلال بها إلا بعد رتب كثيرة يطول الخلاف فيها ويدق الكلام عليها فمنها ما يحتاج إليه في الاستدلال على وجودها والمعرفة بفساد شبه المنكرين لها والمعرفة بمخالفتها للجواهر في كونها لا تقوم بنفسها ولا يجوز ذلك على شيء منها والمعرفة بأنها لا تبقى والمعرفة باختلاف أجناسها وأنه لا يصح انتقالها من محالها والمعرفة بأن ما لا ينفك منها فحكمه في الحدث حكمها ومعرفة ما يوجب ذلك من الأدلة.... وفي كل مرتبة مما ذكرها فرق تخالف فيها ويطول الكلام معهم فيها"([63])

وممن نص على ذمها من هذه الجهة: ابن رشد وفي هذا يقول عنها: "طريقة معتاصة تذهب على كثيرين من أهل الرياضة في صناعة الجدل فضلا عن الجمهور ومع ذلك فهي طريقة غير برهانية ولا مفضية بيقين إلى وجود الله تعالى"([64]).

ويقول ابن تيمية في ذم ذلك الدليل من جهة مقاصده: "حاصلها بعد التعب الكثير والسلامة خير قليل فهي لحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل ثم إنه يفوت بها من المقاصد الواجبة والمحمودة ما لا ينضبط هنا"([65]) ويقول في ذمها من جهة وسائلها: "هذه الطرق كثيرة المقدمات ينقطع السالكون فيها كثيرا قبل الوصول ومقدماتها في الغالب إما مشتبهة يقع النزاع فيها وإما خفية لا يدركها إلا الأذكياء ولهذا لا يتفق منهم اثنان رئيسان على جميع مقدمات دليل إلا نادرا فكل رئيس من رؤساء الفلاسفة والمتكلمين له طريقة في الاستدلال تخالف طريقة الرئيس الآخر بحيث يقدح كل من أتباع أحدهما في طريقة الآخر ويعتقد كل منهما أن الله لا يعرف إلا بطريقته"([66]).

وقد اعترف الآمدي بصعوبة طريقة الجوهر الفرد ولهذا عقب عليها بقوله ": وإن أمكن بيان ذلك فهو مما يطول ويصعب تحقيقه جدا على أرباب العقول"([67]).

الخلل الثالث: أن هذه الطريقة اشتغلت بالاستدلال على إثبات ما هو ضروري في نفسه وجعل المتكلمون ذلك مقصودا أصليا في الدليل فهم في هذا الدليل حاولوا أن يقيموا الأدلة على أمور ضرورية في نفسها لا تحتاج إلى أدلة تثبت صحتها ومن المعلوم أن الأمور الضرورية لا يستدل على صحتها وإن ذُكر الدليل عليها فإنما يذكر للتنبيه على كونها ضرورية فقط ومحاولة إقامة الأدلة على الأمور الضرورية يؤدي بالضرورة إلى التعب والتطويل والاختلاط.

 وقد نص كثير من العلماء على أن الضروريات لا يقام عليها أدلة وفي هذا يقول الكندي: "لا يطلب في إدراك كل مطلوب الوجود البرهاني، فإنه ليس كل مطلوب عقلي مُوجَدًا بالبرهان، لأنه ليس لكل شيء برهان؛ إذ البرهان في بعض الأشياء، وليس للبرهان برهان، لأن هذا يكون بلا نهاية، إن كان لكل برهان برهان، فلا يكون لشيء وجود ألبتة، لأن ما لا ينتهي إلى علم أوائله فليس بمعلوم، فلا يكون علمًا ألبتة"([68])، ويقول ابن حزم: "ما كان مدركًا بأول العقل أو الحس فليس عليه استدلال أصلًا، بل من قِبَل هذه الجهات يبتدئ كل أحد بالاستدلال، وبالرد إلى ذلك فيصح استدلال أو يبطل"([69]).

فالأشياء الضرورية مستغنية عن الأدلة بل إليها المنتهى في إقامة البراهين ومتى ما حاول المرء أن يسلك في إثباتها إقامة الأدلة أدي ذلك إلى تعذيب نفسه وإرهاقها وقد نبه ابن تيمية على هذا فقال: "الأمور الفطرية متى جُعل لها طرق غير الفطرية كانت تعذيبا للنفوس بلا منفعة لها"([70]) وهذا الصنيع فضلا عما له من آثار نفسية فإنه مخالف لطريقة القرآن فلم يكن القرآن يشتغل بإثبات الضروريات ولم يكن يذكرها في أدلته([71]).

والمواطن الضرورية في دليل الحدوث التي استعمل المتكلمون الدليل في إثباتها كثيرة منها:

الموطن الأول: وجود الله تعالى فقد اعتقد جمهور المتكلمين أن وجود الله تعالى ليس ضروريا عند كل الناس وأنه من الأمور النظرية التي لا بد من إقامة الدليل على صحتها وقد كان هذا منطلق دخولهم في دليل الحدوث وهذا الاعتقاد غير صحيح وهو مخالف لمقتضى دلالات النصوص ولما يجده صاحب العقل السليم من ضرورة التسليم بوجوده تعالى- ولهذا فالقرآن لم يجعل قضية وجوده سبحانه- محل بحث بل كان يتحدث عنها على أنها قضية بديهية يقيم عليها أدلته في إثبات استحقاق الله تعالى للعبادة وبطلان عبادة من سواه ويلزم المعاندين باعترافهم بوجود الله بما يقتضيه ذلك الاعتراف.

فمحصل جهد المتكلمين في قضية إثبات وجود الله تعالى- هو أنهم حاولوا إقامة الدليل على صحة أمر ضروري وهذا فيه تضييع للوقت وإتعاب للنفس والغريب أن بعضهم اعترف بفطرية وجود الله -تعالى- ومع هذا فهو يستعمل دليل الحدوث ويراه صوابا ومن هؤلاء: الشهرستاني فإنه يقول: "الفطرة السليمة الإنسانية شهدت بضرورة فطرتها وبديهة فكرتها بصانع عليم قادر حكيم.... إلى أن قال وأنا أقول ما شهد به الحدوث أو دل عليه الإمكان بعد تقديم المقدمات دون ما شهدت به الفطرة الإنسانية من احتياج في ذاته إلى مدبر هو منتهى الحاجات"([72]) وممن اعترف بفطرية وجوده سبحانه-: الغزالي فإنه قرر أن وجود الله تعالى دلت عليه الفطرة ودلالات النصوص ومع هذا أخذ يستدل بدليل الحدوث اقتداء بالعلماء كما زعم فاستمع إليه يقول: "في فطرة الإنسان وشواهد القرآن ما يغني عن إقامة البرهان ولكنا على سبيل الاستظهار والاقتداء بالعلماء النظار"([73]) ثم قرر دليل الحدوث.

الموطن الثاني: حدوث العالم فقد أجمع المتكلمون على أن حدوث العالم من الأمور النظرية وقصدوا إلى إقامة الدليل على حدوثه فذكروا تلك المقدمات وغفل هؤلاء عن أن حدوث العالم من القضايا الضرورية التي تُعلم بالمشاهدة والحس ولا تُحتاج إلى إقامة البراهين على صحتها وهذا الخلل نبه عليه ابن تيمية في مواطن من كتبه واعتمد عليه في إبطال دليل الحدوث وبيان عدم جدواه وفي هذا يقول لما ذكر قصْد المتكلمين إلى إثبات حدوث العالم: "وأما المقدمة الأولى: وهو أن الإنسان والثمار والمطر والسحاب ونحو ذلك محدث فهذه مقدمة معلومة بالمشاهدة والضرورة "([74]) ويقول أيضا: "حدوث الحيوان والنبات والمعدن ونحو ذلك وحدوث أوائل ذلك كالنطفة والبيضة وطاقة الزرع ونحو ذلك أمر مشهود معلوم بالحس والضرورة"([75]) وهذا المعنى كرره ابن تيمية كثيرا.

ومن يتأمل طريقة القرآن يجد أنه قد استدل بحدوث العالم على وجود محدثه ولم يركز على إثبات حدوثه؛ لأنه من الأمور الضرورية فالقرآن يفرق إذن بين الاستدلال بحدوث العالم والاستدلال على حدوث العالم فـ "الطريقة المذكورة في القرآن هي الاستدلال بحدوث الإنسان وغيره من المحدثات المعلوم حدوثها بالمشاهدة ونحوها على وجود الخالق -سبحانه وتعالى- فحدوث الإنسان يُستدل به على المحدث لا يحتاج أن يُستدل على حدوثه بمقارنة التغير أو الحوادث له ووجوب تناهي الحوادث والفرق بين الاستدلال بحدوثه والاستدلال على حدوثه بيّن والذي في القرآن هو الأول لا الثاني.... والعلم بحدوث هذه المحدثات علم ضروري لا يحتاج إلى دليل وذلك معلوم بالحـس أو بالـضرورة: إما بإخـبار يفـيد العـلم الضـروري أو غـير ذلـك من العلوم الضرورية "([76]).

فهؤلاء المتكلمون خلطوا بين الاستدلال بالشيء والاستدلال على الشيء فكانوا بذلك مخالفين لطريقة القرآن في إقامة براهينه وفي تحديد مواطنها أيضا.

الموطن الثالث: كون الحادث لا بد له من محدث فهذه القضية عمد كثير من المتكلمين إلى إقامة الأدلة عليها وهي من القضايا الضرورية التي لا تحتاج إلى شيء من ذلك ولهذا سلم بعضهم بضرورتها كما سبق بيانه ويقول ابن تيمية في بيان ضرورة هذه القضية: "كون الحادث يحدث نفسه من غير محدث يحدثه من أبين الأمور استحالة في فطر جميع الناس والعلم بذلك مستقر في فطر جميع الناس حتى الصبيان حتى أن الصبي إذا رأى ضربة حصلت على رأسه قال من ضربني؟ من ضربني؟ وبكى حتى يعلم من ضربه وإذا قيل له: ما ضربك أحد أو هذه الضربة حصلت بنفسها من غير أن يفعلها أحد لم يقبل عقله ذلك وهو لا يحتاج في هذا العلم الفطري الذي جُبل عليه إلى أن يستدل عليه بأن حدوث هذه الضربة في هذه الحال دون ما قبلها وما بعدها لا بد له من مخصص بل تصور هذا فيه عسر على كثير من العقلاء"([77]).

ومع كون هذه القضية ضرورية فقد أتعب كثير من المتكلمين أنفسهم في الاستدلال عليها فكانوا بذلك مخالفين لطريقة العقلاء في بناء أدليتهم.

الموطن الرابع: حدوث الأعراض فهذه القضية من الضروريات التي أتعب المتكلمون أنفسهم في الاستدلال عليها أيضا وغفلوا عن أنها لا تحتاج إلى أدلتهم التي بنوها وإنما يَكفي أن يُدْرك الحس ذلك.

وانشغال المتكلمين بإقامة الأدلة على إثبات ما هو ضروري فضلا عن أنه مخالف للطريقة الصحيحة في بناء الأدلة والبراهين فقد ألهاهم عن الاشتغال بالمقاصد الكبيرة التي جاءت الشريعة بتقريرها وهي تحقيق العبودية لله -تعالى -ووجوب إفراده -سبحانه - بالعبادة والاستعداد لليوم الآخر والحرص على إقامة الأدلة على ذلك وشرحها وتفصيلها ودفع اعتراضات المعترضين عليها وكشف ما يعترض طريقها من شبهات.

الخلل الرابع: أن هذه الطريقة قائمة على الاقتصار في الاستدلال على الأمور الواقعية الخارجية -سواء في تقرير وجودها أو بناء أحكامها - بالأمور الكلية؛ وذلك أنهم استندوا في إثبات وجود الله تعالى إلى أن كل حادث لا بد له من محدث وهذا خلل في الاستدلال؛ لأن هذه القضية لا تثبت إلا ضرورة وجود محدِث للعالم ولكنها لا تعينه فهي لا تثبت أن المحدِث هو الله تعالى- على جهة الخصوص والمطلوب من المسلم هو أن يثبت خالقية الله تعالى- للعالم لا أن يقتصر على اعتقاد أن هذا العالم له خالق فقط ودليل الحدوث لا يؤدي إلا إلى أن هذا العالم له خالق وهذا الخلل أوقعهم في خلل منهجي آخر وهو الاستدلال بالأخفى على الأظهر فمن المعلوم أنه في كثير من الأحوال تكون القضايا الجزئية أظهر من القضايا الكلية.

وهذا الخطأ -وهو الاكتفاء في الاستدلال على الأمور الخارجية بثبوت الأمور الكلية- اشترك فيه المتكلمون والفلاسفة اليونان وقد كرر ابن تيمية وغيره من المحققين التنبيه على هذا الغلط كثيرا ومن كلام ابن تيمية في دليل الحدوث على جهة الخصوص قوله: "عِلْم الإنسان بأن كل محدث لا بد له من محدث أو كل ممكن لا بد له من واجب أو كل فقير فلا بد له من غني أو كل مخلوق فلا بد له من خالق أو كل معلوم فلا بد له من يعلم أو كل أثر فلا بد له من مؤثر ونحو ذلك من القضايا الكلية والأخبار العامة هو علم كلى بقضية كلية وهو حق في نفسه لكن علمه بأن هذا المحدث المعين لا بد له من محدث وهذا الممكن المعين لا بد له من واجب هو أيضا معلوم له مع كون القضية معينة مخصوصة جزئية.

 وليس علمه بهذه القضايا المعينة المخصوصة موقوفا على العلم يتلك القضية العامة الكلية بل هذه القضايا المعينة قد تسبق إلى فطرته قبل أن يستشعر تلك القضايا الكلية وهذا كعلمه بأن الكتابة لا بد لها من كاتب والبناء لا بد له من بان فإنه إذا رأى كتابة معينة علم أنه لا بد لها من كاتب وإذا رأى بنيانا علم أنه لا بد من بان وإن لم يستشعر في ذلك الحال كل كتابة كانت أو تكون أو يمكن أن تكون ولهذا تجد الصبي ونحوه يعلم هذه القضايا المعنية الجزئية وإن كان عقله لا يستحضر القضية الكلية العامة.

 وهذا كما أن الإنسان يعلم أن هذا المعين لا يكون أسود أبيض ولا يكون في مكانين وإن لم يستحضر أن كل أسود وكل بياض فإنهما لا يجتمعان وأن كل جسمين فإنهما لا يكونان في مكان واحد وهكذا إذا رأى درهما ونصف درهم علم أن هذا الكل أعظم من هذا الجزء وإن لم يستحضر أن كل كلي فانه يجب أن يكون أعظم من جزئه... بل هذه القضايا العامة الكلية صادقة وتلك القضية المعينة صادقة والعلم بها فطري ضروري لا يحتاج أن يستدل عليه وإن كان قد يمكن الاستدلال على بعض المعينات بالقضية الكلية ويستفاد العلم بالقضية الكلية بواسطة العلم بالمعينات لكن المقصود أن هذا الاستدلال ليس شرطا في العلم بل العلم بالمعينات قد يعلم كما تعلم الكليات وأعظم بل قد يجزم بالمعينات من لا يجزم بالكليات ولهذا لا تجد أحدا يشك في أن هذه الكتابة لا بد لها من كاتب وهذا البناء لا بد له من بان بل يعلم هذا ضرورة"([78]).

الخلل الخامس: أن المتكلمين في هذه الطريقة وقعوا في مخالفة ظاهرة للواقع؛ وذلك حين اعتقدوا أن الطريق المتعمد في العلم بالله تعالى منحصر في طريق واحد هو دليل الحدوث كما سبق النقل عنهم وهذا خطأ بيّن؛ لأن حصول العلم بالله عند الناس لا تنضبط طرقه فقد ضيق المتكلمون باعتقادهم ذلك واسعا وصعبوا سهلا وتكلفوا شططا وقد نبه على هذا الخطأ ابن تيمية حيث يقول: "وقـد سلك طائفة من أهـل الكلام من المعتـزلة ومن وافـقهم ترتيبا معينا في العـلم الواجب على كل مكـلف، وزعـموا أنه لا يمكن حصـول المعـرفة لأحد إلا على ذلك الترتيب الخاص... ونظير هذه التراتيب التي أحدثها أهل الكلام وادعوا أنه لا يحصل العلم إلا بها تراتيب ذكرها طوائف من الصوفية المصنفين في أحوال القلوب وأعمالها لما تكلموا في المقامات والمنازل وترتيبها، فهذا يذكر عددا من المنازل والمقامات وترتيبا، وهذا يذكر عددا آخر وترتيبا، ويقول هذا إن العبد لا ينتقل إلى مقام كذا حتى يحصل له كذا، وأنه ينتقل إلى كذا بعد كذا، ويقول هذا عدد المنازل مائة، ويقول الآخر عددها أكثر وأقل، ثم هذا يقسم المنازل أقساما يجعلها الآخر كلها قسما، ويذكر هذا أسماء وأحوالا لا يذكرها الآخر.

وغاية الواحد من هؤلاء أن يكون ما ذكره وصف حاله وحال أمثاله، وسلوكهم وترتيب منازلهم، فإذا كان ما قالوه حقا فغايته أن يكون وصف سلوك طائفة معينة، أما كون جميع أولياء الله تعالى لا يسلكون إلا على هذا الوجه المرتب وهذه الانتقالات، فهذا باطل.

وكذلك أيضا نظير هذا ما يذكره من يذكره من المتفلسفة وأهل المنطق في ترتيب العلم وأسباب حصوله، وما يذكرونه من الحدود والأقيسة والانتقالات الذهنية، فغاية كلامهم إذا كان صحيحا أن يكون ذلك وصفا لما تسلكه طائفة معينة، أما كون جميع بني آدم لا يحصل لهم العلم بمطالبهم إلا بهذه الطرق المعينة فهذا كلام باطل.

فحصر هؤلاء لمطلق العلم في ترتيب معين، وحصر هؤلاء العلم بالله وبصدق رسله في ترتيب معين، وحصر هؤلاء للوصول إلى الله في ترتيب معين، كل هذا مع كونه في نفسه مشتملا على حق وباطل، فالحق منه لا يوجب الحصر، ولكن هو وصف قوم معينين، وطرق العلم والأحوال وأسباب ذلك وترتيبه أوسع من أن تحصر في بعض هذه الطرائق ولهذا كانت الرسل صلوات الله عليهم وسلامه يأمرون بالغايات المطلوبة من الإيمان بالله ورسوله وتقواه"([79]).

الخلل السادس: أن حالة أتباع دليل الحدوث تؤكد عدم صلاحيته لما جيء به؛ وذلك أنهم قد وقع بينهم فيه اختلاف كثير وتناقض كبير فما من مقدمة من مقدماته أو دليل من أدلة تلك المقدمات إلا وهم مختلفون فيها حتى لا تكاد تجد بين أصحاب المذهب الواحد إلا اتفاقا يسيرا وقد بلغ الأمر بهم إلى أن يستغرق تقرير هذا الدليل ودفع المعارضات عنه صفحات طويلة مشتملة على اعتراضات وأجوبة عقلية بالغة الصعوبة والتعقيد ينسي آخرها أولها وقد صور ابن تيمية هذا الاختلاف الواقع بين أتباع ذلك الدليل بكلام مفصل ويقول عنهم: "لا يتفق منهم اثنان رئيسان على جميع مقدمات دليل إلا نادرا فكل رئيس من رؤساء الفلاسفة والمتكلمين له طريقة في الاستدلال تخالف طريقة الرئيس الآخر بحيث يقدح كل من أتباع أحدهما في طريقة الآخر ويعتقد كل منهما أن الله لا يعرف إلا بطريقته"([80]).

فإن المتكلمين لما أقاموا فكرة ذلك الدليل على حدوث العالم اختلفوا في الجزئيات التي تعقبها فقد اختلفوا في أقسام العالم: هل ينقسم إلى قسمين: جواهر وأعراض أم إلى ثلاثة: جواهر وأجسام وأعراض ثم اختلفوا في أكثر التفاصيل المتعلقة بالجوهر: في حقيقته وفي حده وفي أصل وجود الجوهر الفرد وفي مسالك أدلة وجوده وفي إمكان خلوه من كل الأعراض وفي لوازمه ونتائجه.

 واختلفوا في أكثر تفاصيل العرض: في حقيقته وفي حده وفي بقائه وفي تقبله لقيام الأعراض الأخرى به وفي أدلة وجوده وفي أجناسه وفي أقسامه.

 ثم اختلفوا في أكثير تفاصيل الجسم: في حقيقته وفي حده وفي تماثل الأجسام فيما بينها وفي الفرق بين الجسم والجوهر وفي خصائص الجسم وفي عدد الجواهر المكونة للجسم وهل الجسم يستلزم جميع الأعراض أو بعضها؟ ومن قال: بعضها اختلفوا في تحديده.

ثم اختلفوا بعد ذلك في الحدوث: في حقيقته: هل هو المسبوق بالعدم أو المسبوق بالغير؟ وفي صحة حدوث الحوادث هل لها بداية أم لا؟ وفي تحديد متعلق الحدوث: هل هو الجواهر أم الأعراض وفي كون الحدوث هو الموجب للاحتياج إلى المؤثر أو غيره؟([81]).

ولما أرادوا تركيب مقدمات الدليل اختلفوا في تفاصيلها فقد اختلفوا في عدد مقدماته وفي ترتيبها واختلفوا في كل مقدمة هل تحتاج إلى أدلة أم لا؟ ومن قال باحتياجها اختلفوا في تحديد الدليل المعتمد كما سبق بيانه في المبحث الأول ثم إن كثيرا من أدلتهم التي نصوا على أن عليها المعتمد أورد عليها من الاعتراضات ما يجعلها هشة لا تصلح لاعتماد حتى صرح بعضهم بأنه ليس لهم دليل إلا تناقض الخصوم([82]).

فالرازي مثلا- ذكر في كتابه الأربعين في مسألة الحدوث من الحجج على حدوث الأجسام والعالم ما لم يذكره في عامة كتبه الأخرى ومع هذا فقد تتبعه من جاء بعده كالأرموي والآمدي في كل تلك الحجج واعترض عليها باعتراضات تقدح في صحتها وتبين ضعفها وهشاشتها بل الرازي نفسه نقدها وضعفها في كتبه الأخرى([83]).

ولو ذهبنا نذكر اختلافاتهم المتناقضة لطال بنا المقام جدا ويكفي في تصورها أن ينظر المرء في أي كتاب من كتب المتأخرين حتى المختصرة منها.

فهل يعقل بعد هذا الاختلاف والاضطراب أن يكون هذا الدليل هو عمدة المسلمين في معرفة ربهم وبناء دينهم؟! فالمرء لا يكاد يحصل العلم الظني بذلك الدليل المتشبع بالاختلافات بين أتباعه فكيف يمكن له أن يحصل به العلم الضروري الذي يبني عليه اعتقاده بوجود الله تعالى- ولهذا لما رأى بعض المحققين منهم عمق التناقض بين المتكلمين في دليل الحدوث واستحالة التخلص من عقده المعرفية تخلى عنه وانتقل إلى أدلة أخرى يظنها خيرا من دليل الحدوث كما فعل ذلك الآمدي وغيره([84]).

والغريب حقا أن المتأخرين من المتكلمين ما زالوا يصرون على أن دليل الحدوث عمدة في إثبات وجود الله تعالى- مع إدراكهم لذلك الاختلاف والاضطراب في مقدماته وأدلته وإدراكهم لحيرة أئمتهم وتراجعهم عنه!.

 وقد حاول بعض المتأخرين من الأشاعرة أن يخرج من المأزق الذي وقعوا فيه جراء اعتمادهم دليل الحدوث فإنهم لما جعلوا موضوع النظر الواجب على العوام يتعلق بالنظر في دليل الحدوث بمقدماته ونتائجه وكان هذا الدليل غامضا غاية الغموض وترد عليه إشكالات متعددة يعجز العوام عن تجاوزها مما يوجب الحكم عليهم بالكفر أو العصيان على الأقل قرر بعضهم أن الواجب على العوام هو الدليل الجملي لا التفصيلي وفي هذا يقول الهدهدي: "المطلوب من المكلف عند القائلين بوجوب النظر هو الدليل الجملي وهو المعجوز عن تقريره وحل شبهه كما إذا قيل له: أتعتقد أن الله موجود؟ فيقول: نعم فيقول له: وما دليلك؟ فيقول هذه المخلوقات ويعجز عن كيفية دلالتها..."([85]) ولا شك أن هذا اعتراف ضمني بعطب دليل الحدوث وأنه ليس دليلا شرعيا متعمدا في معرفة الله تعالى-؛ لأن دليل الحدوث ليس هو مجرد الاستدلال بالمخلوقات على الخالق فلو كان كذلك لما أنكره أحد وإنما هو القصد إلى إثبات كون العالم مخلوقا بطرق مخصوصة ثم الانتقال منها إلى إثبات الخالق كما سبق شرحه وهذا غير متوفر في الدليل الجملي الذي ذكروه.

الخلل السابع: أن هذا الدليل لزمت عنه لوازم باطلة ومن المعلوم أن فساد اللازم يدل على فساد الملزوم سواء التزم به صاحب القول أم لم يلتزم به واللوازم التي لزمت عن دليل الحدوث كثيرة جدا حتى ذكر ابن القيم أنها تربو على مائة لازم([86]) وهذه اللوازم يمكن للمرء أن يدرك حجمها بتتبع العلوم التي ألف فيها المتكلمون خاصة علمي أصول الدين وأصول الفقه فمن يقرأ في كتب المتكلمين في أصول الدين يجد أنهم قد اعتبروا هذا الدليل وأخذوا بلوازمه في كثير من أصول الأبواب وتفاصيلها ولهذا يذكر ابن تيمية أن عامة بدع الجهمية ناتجة من دليل الحدوث([87]).

واللوازم التي لزمت عن دليل الحدوث يمكن أن تقسم إلى قسمين:

القسم الأول: اللوازم العلمية والمراد بها الأقوال التي التزم بها المتكلمون بناءً على أخذهم بدليل الحدوث ومن أمثلتها في علم أصول الدين:

1 - نفي جميع الصفات الإلهية كما قالت الجهمية أو نفي بعضها كما قالت الأشعرية وغيرهم يقول ابن تيمية: "التزم طوائف من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم لأجلها نفى صفات الرب مطلقا أو نفى بعضها لأن الدال عندهم على حدوث هذه الأشياء هو قيام الصفات بها والدليل يجب طرده والتزموا حدوث كل موصوف بصفة قائمة به وهو أيضا في غاية الفساد والضلال ولهذا التزموا القول بخلق القرآن وإنكار رؤية الله في الآخرة وعلوه على عرشه إلى أمثال ذلك من اللوازم التي التزمها من طرد مقدمات هذه الحجة التي جعلها المعتزلة ومن اتبعهم أصل دينهم"([88])

 2- القول بفناء الجنة والنار كما قال الجهم أو بفناء حركات أهلها كما قال أبو الهذيل العلاف([89]).

 3- عدد من قضايا اليوم الآخر فقد التزم كثير من المتكلمين بأصلهم في حدوث العالم بلوازم تتعلق باليوم الأخر حتى قال ابن القيم: "أما اليوم الآخر فإن جمهورهم بنوه على إثبات الجوهر الفرد وقالوا: لا يتأتى التصديق بالمعاد إلا بذلك"([90]) ومن المعلوم أن إثبات الجوهر الفرد من الأصول التي قام عليها دليل الحدوث ومن مسائل اليوم الآخر التي تأثرت بدليل الحدوث: القول بان المعاد هو تجميع الأجراء التي تفرقت فقط فإن المتكلمين لما قالوا بأن الأجسام مكونة من الجواهر المفردة قرروا أن الموت يكون يتفرق تلك الأجزاء والبعث يكون بتجميعها([91]).

وكذلك علم أصول الفقه هو الآخر كان ضحية دليل الحدوث فقد تأثرت كثير من قضاياه به والتزم كثير من المتكلمين فيه بأقوال خارجة عن الجادة بناءً على التزامهم بذلك الدليل فهذا العلم أكْثَر المتكلمون من التأليف فيه وأضحى كل مؤلف منهم يعتبر الأصول التي بنى عليها دينه ولهذا قرر السمرقندي أن علم أصول الفقه كالفرع لأصول الدين وأن كل مؤلف فيه يعتبر الأصول التي بناها في علم الكلام([92]) ويقول ابن تيمية عن المتكلمين: "ثم إنهم صنفوا في أصول الفقه وهو علم مشترك بين الفقهاء والمتكلمين فبنوه على أصولهم الفاسدة "([93]) ويقول أيضا: "حتى أن من له مادة فلسفية من متكلمة المسلمين كابن الخطيب وغيره يتكلـمون في أصـول الفقه الذي هو عـلم إسلامي محـض فيبنونه على تلك الأصول الفلسفية "([94]).

ومن أمثلة المسائل الأصولية التي تأثرت بدليل الحدوث وخرجت به عن الجادة: حقيقة الحكم الشرعي والعلاقة بين خطاب الله تعالى وبين أفعال العباد ونسبة الحكم الشرعي إلى أفعال العباد وحقيقة النسخ ونحوها من المسائل([95]).

وليس المقصود هنا تتبع تفاصيل اللوازم التي لزمت عن دليل الحدوث في أنوع العلوم الإسلامية فإنها تبلغ أعدادا كبيرة وإنما المقصود التنبيه على كثرتها وتنوعها والاستدلال على بطلانه ببطلانها.

القسم الثاني: اللوازم النفسية والمراد بها: الآثار النفسية التي حصلت للمتكلمين الذين أخذوا بدليل الحدوث وسلموا لمقدماته وذلك أن كثيرا منهم وقع في الاشتباه والاضطراب والحيرة بسبب ما وقع له من خلط في دليل الحدوث وهذا لا يعني أنه لم يكن لغيره من أدلة علم الكلام أثر في حيرة المتكلمين واضطرابهم إلا أن أقوى دليل تسبب في ذلك هو دليل الحدوث ومن يتأمل في تصريحاتهم التي صرحوا فيها بما حصل لهم من آثار نفسية يجد أنهم في الغالب يذكرون سببا يرجع إلى مقدمة من مقدمات دليل الحدوث أو لازم من لوازمه فالرازي مثلا- لما أعلن حيرته ذكر ما يفيد أن سببها راجع إلى اضطراب نتائج دليل الحدوث وكذلك الحال عند الخونجي وابن واصل الحموي والآمدي وغيرهم([96]).

فهذه أظهر مواطن الخلل المنهجي التي وقعت في دليل الحدوث وتبين بها أنه دليل فاقد لأوصاف الدليل الصحيح وأن طريقة تركيبه مخالفة لطرق الاستدلال المستقيمة وقد أضعف ذلك الخلل دلالته بل أفسدتها وعرقل إمكان الاستفادة منه فهو بناءً على ذلك دليل باطل لا يؤدي إلى ما أريد منه وهو الوصول إلى أشرف مطلوب ألا وهو العلم بالله سبحانه وتعالى.

 وليت أن الأمر توقف عند هذا الحد بل زاد من الطين بلة أنه بناءً على اشتماله على تلك القوادح المنهجية فتح الباب أمام أعداء الدين من الفلاسفة والملاحدة وذلك أن المتكلمين إنما جاؤوا بذلك الدليل لمقابلة الفلاسفة الملاحدة في قولهم بقدم العالم ولكن أولئك رأوا ضعف هذا الدليل وكثرة ما يرد عليه من الإشكالات والسؤالات وأدركوا أن كثيرا من ضوابطهم لا تعدو أن تكون مصادرات على المطلوب فقالوا لهم: ما الذي يجيز لكم تأويل نصوص الصفات ولا يجيز لنا تأويل نصوص المعاد فبابها واحد؟! وقد بين ابن تيمية تسلط الفلاسفة على المتكلمين لأجل أخذهم بدليل الحدوث في مواطن من كتبه ومن ذلك قوله لما ذكر دليل الحدوث وما التزمه المتكلمون من القول بإمكان الترجيح بلا مرجح وغير ذلك من اللوازم: "ثم لما رأت الفلاسفة أن هذا مبلغ علم هؤلاء وأن هذا هو الإسلام الذي عليه هؤلاء وعلموا فساد هذا أظهروا قولهم بقدم العالم واحتجوا بأن تجدد الفعل بعد أن لم يكن ممتنع بل لابد لكل متجدد من سبب حادث وليس هناك سبب فيكون الفعل دائما.

ثم ادعوا دعوى كاذبة لم يحسن أولئك أن يبينوا فسادها وهو أنه إذا كان دائما لزم قدم الأفلاك والعناصر ثم أنهم لما أرادوا تقرير النبوة جعلوها فيضا يفيض على نفس النبي من العقل الفعال أو غيره من غير أن يكون رب العالمين يعلم له رسولا معينا ولا يميز بين موسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين ولا يعلم الجزئيات ولا نزل من عنده ملك بل جبريل هو خيال يتخيل في نفس النبي أو هو العقل الفعال وأنكروا أن تكون السماوات والأرض خلقت في ستة أيام وان السماوات تنشق وتنفطر وغير ذلك مما أخبر به الرسول.

وزعموا أن ما جاء به الرسول إنما أراد به خطاب الجمهور مما يخيل إليهم بما ينتفعون به من غير أن يكون الأمر في نفسه كذلك ومن غير أن تكون الرسل بينت الحقائق وعلمت الناس ما الأمر عليه"([97]).


الخاتمة

بعد التجوال الواسع في غمار دليل الحدوث والانتقال من حقيقته إلى بحار الأخطاء المنهجية فيه خلصت فيه إلى أفكار متعددة يمكن تصنيفها إلى أمرين:

أولا: النتائج:

يمكن إجمال أهم النتائج في الأمور التالية:

1- تحصل لنا من البحث مدى بعد المنهج الكلامي ممثلا في دليل الحدوث هنا- عن طريقة القرآن والسنة في أدلته ومسائله بل مناقضته لها في كثير من الأصول.

2- ظهر لنا كثرة الخلاف بين المتكلمين في أصول الدلائل بل بلغ الاختلاف بينهم إلى درجة التناقض مما يؤكد عدم صلاحية طريقهم لأن تكون طريقا معتمدا في بناء العقائد.

2- أن دليل الحدوث يعاني من إشكاليات معرفية واسعة في مقدماته وأصوله وأن هذه الإشكاليات هي التي تسببت في تعثر نتائجه وعدم إصابتها للحق.

ثانيا: التوصيات:

يمكن إجمال أهم التوصيات في الأمور التالية:

1- ضرورة تتبع الأصول المنهجية التي جاءت بها النصوص وتفعيل دورها في بناء العقائد فإن هذا خير ما يعين على زحزحة الباطل عن طريق الناس ويؤدي إلى ابتعادهم عنه.

2- ضرورة التركيز على الأمور المنهجية التي تقوم عليها المنظومة الكلامية وإبرازها وبيان ما فيها من خلل منهجي فهذا النوع من النقد أنفع وأعمق في بيان عطب علم الكلام.

3- ضرورة تتبع الآثار العلمية التي أحدثها علم الكلام في العلوم الإسلامية خاصة دليل الحدوث فإني أوصي أهل كل تخصص أن يتتبعوا تلك الآثار ينقوا علومهم منها فهي داء عضال.

 


قائمة المراجع

   1-            أبكار الأفكار في أصول الدين، الآمدي، تحقيق أحمد المهدي، دار الكتب والوثائق القومية، ط الثانية، 1424هـ.

   2-            إحياء علوم الدين، الغزالي، دار الكتب العلمية، ط الأولى، 1423هـ.

   3-            الأدلة العقلية النقلية على أصول الاعتقاد سعود العريفي دار عالم الفوائد ط1 1419هـ.

   4-            الأربعين في أصول الدين، الرازي، مكتبة الكليات الأزهرية،القاهرة،تحقيق أحمد حجازي السقا، ط الأولى 1406هـ.

   5-            الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، الجويني، تحقيق أسعد تيم، مؤسسة الثقافة الدينية، ط الثالثة، 1416هـ.

   6-            أساس التقديس، الرازي، تحقيق أحمد حجازي السقا، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة 1406هـ.

   7-            الاستقامة، ابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، دار الفضيلة، ط 1، 1420هـ.

   8-            الإنصاف فيما يجب اعتقاده، الباقلاني، تحقيق محمد زاهد الكوثري، الكتبة الأزهرية للتراث، ط الثالثة، 1421هـ.

   9-            البحر المحيط في أصول الفقه، الزركشي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، ط الثانية، 1423هـ.

10-            بيان تلبيس الجهمية، ابن تيمية، تحقيق مجموعة من الباحثين، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، ط الأولى، 1426هـ.

11-            تبصرة الأدلة أبو المعين النسفي ت/ كلود سلامة المعهد العلمي الفرنسي ط1 1990م.

12-            التذكرة في أحكام الجواهر والأعراض ابن متويه ت/ سامي نصر لطف دار الثقافة للنشر القاهرة.

13-            تفسير ما بعد الطبيعة، ابن رشد، تحقيق الأب قنواتي، دار المشرق، بيروت.

14-            التمهيد أبو المعين النسفي ت/ عبدالحي قابيل دار الثقافة للنشر والتوزيع القاهرة 2005م.

15-            تنزيه القرآن عن المطاعن القاضي عبدالجبار دار طلاب المعرفة.

16-            تهافت الفلاسفة، الغزالي، تحقيق سليمان دنيا، دار المعارف، مصر، ط الرابعة، 1392هـ.

17-            التوحيد الماتريدي ت/ فتح الله خليف دار الجامعات المصرية.

18-            الحجة في بيان المحجة قوام السنة الأصفهاني ت/ محمد ربيع المدخلي ومحمد أبو رحيم دار الراية ط2 1419هـ.

19-            درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، طبع جامعة الإمام محمد، ط الأولى، 1403هـ.

20-            الرد على المنطقيين، ابن تيمية، تقديم رفيق العجم، دار الفكر اللبناني، ط الأولى، 1993م.

21-            رسائل العدل والتوحيد جمع / محمد عمارة دار الشروق ط2 1988م.

22-            رسائل الكندي الفلسفية، تحقيق محمد علي أبو ريان، دار الاعتماد، مصر، ط الأولى، 1369هـ.

23-            رسالة إلى أهل الثغر أبو الحسن الأشعري ت/ عبدالله الجنيدي مكتبة العلوم والحكم ط2 1422هـ.

24-            شرح الأصول الخمسة، القاضي عبدالحبار، تحقيق عبدالكريم عثمان، مكتبة وهبة، مصر، ط الأولى، 1384هـ.

25-            شرح العقيدة الوسطى ( السنوسية الوسطى) محمد بن يوسف السنوسي ت/السيد يوسف دار الكتب العلمية ط1 2006م.

26-            شرح المقاصد، التفتازاني، ت/ عبدالرحمن عميرة، عالم الكتب، بيروت، ط الأولى، 1409هـ.

27-            شرح أم البراهين الدسوقي مكتبة مصطفى البابي ط الأخيرة 1358هـ.

28-            شرح أم البراهين الهدهدي مكتبة البابي الحلبي ط4 1374هـ.

29-            شرح جوهرة التوحيد البيجوري ت/ علي جمعة دار السلام ط1 2002م.

30-            الصحائف الإلهية، السمرقندي، مكتبة الفلاح، الكويت، ط الأولى، 1405هـ.

31-            الصفدية، ابن تيمية، ت / أبي عبدالله الجليمي ورفيقه، أضواء السلف، ط الأولى، 1423هـ.

32-            الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ابن القيم ت/علي الدخيل الله دار العاصمة ط1 1408هـ.

33-            صون المنطق والكلام عن المنطق والكلام السيوطي ت/ علي سامي النشار دار الكتب العلمية بيروت.

34-            طوالع الأنوار البيضاوي ت/ عباس سليمان الكتبة الأزهرية القاهرة ط12007م.

35-            فوائد في مشكل القرآن العز بن عبدالسلام ت/سيد رضوان دار الشروق ط2 1402هـ.

36-            الكاشف عن المحصول، الأصفهاني، تحقيق عادل أحمد عبدالموجود، دار الكتب العلمية، ط الأولى، 1420هـ.

37-            الكشاف عن حقائق التنزيل الزمخشري ت/عبدالرزاق المهدي دار إحياء التراث العربي ط2 2001م.

38-            الكشف عن مناهج الأدلة، ابن رشد، إشراف محمد الجابري، مركز الوحدة العربية، ط الثانية، 2001م.

39-            كفاية العوام فيما يجب عليهم من علم الكلام الفضالي مكتبة البابي ط الأخيرة 1368هـ.

40-            لمع الأدلة، الجويني، ت/ فوقية حسين، عالم الكتب، ط الثانية، 1407هـ.

41-            مجموع فتاوى ابن تميمية، جمع عبدالرحمن بن قاسم، جامعة الإمام، 1418هـ.

42-            محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين الرازي ت/حسين آتاي متبة التراث القاهرة ط1 1991م.

43-            المحصول في علم الأصول، الرازي، تحقيق طه جابر العلواني، مؤسسة الرسالة، ط الثالثة، 1418هـ.

44-            المسامرة شرح المسايرة، كمال الدين محمد ابن أبي شريف، دار الكتب العلمية، ط الأولى، 1423هـ.

45-            المطالب العالية في العلم الإلهي، الرازي، تحقيق أحمد حجازي السقا، دار الكتاب العربي، بيروت، ط الأولى، 1407هـ.

46-            معالم أصول الدين الرازي ت/طه عبدالرؤوف المكتبة الزهرية مصر.

47-            المواقف في علم الكلام، الإيجي، عالم الكتب، بيروت.

48-            نقض أبي سعيد على بشر المريسي العنيد الدارمي ت/رشيد الألمعي مكتبة الرشد ط1 1418هـ.

49-            نهاية الإقدام، الشهرستاني، تحقيق ألفررجيوم، مكتبة زهران.

50-            نهاية الوصول في دراية الأصول، صفي الدين الهندي، تحقيق صالح اليوسف وزميله، المكتبة التجارية، مكة، ط الأولى، 1416هـ.



([1]) انظر: الأربعين في أصول الدين الرازي (70) ودرء التعارض ابن تيمية (1/96).

([2]) انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي (95).

([3]) شرح اللمع للباقلاني بواسطة: درء التعارض (8/342) وانظر: المطالب العالية للرازي (1/200) وغاية المرام للآمدي (261).

([4]) درء التعارض ابن تيمية (7/229).

([5]) انظر: صون المنطق والكلام السيوطي(95) ودرء التعارض ابن تيمية (7/295).

([6]) المرجع السابق (7/295).

([7]) انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي (94) والمسامرة على المسايرة لابن الهمام (29) والتمهيد للنسفي (4 5) ودرء التعارض لابن تيمية (2/14 224).

([8]) انظر: نهاية الإقدام للشهرستاني (5).

([9]) التوحيد للماتريدي (129).

([10]) تهافت الفلاسفة للغزالي (197).

([11]) تبصرة الأدلة للنسفي (35).

([12]) المختصر في التوحيد للقاضي عبدالجبار _ ضمن رسائل العدل والتوحيد- (1/199).

([13]) شرح العقيدة الوسطى السنوسي (87).

([14]) الذخيرة القرافي (2/136) وانظر غلو المتكلمين في دليل الحدوث: شرح أم البراهين مع حاشية الدسوقي (64 -65) وشرح الجوهرة البيجوري (88-89) وكفاية العوام فيما يجب عليهم من علم الكلام الفضالي (32).

([15]) الصفدية لابن تيمية (1/274).

([16]) انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي (95) والإرشاد للجويني (43) وشرح المسامرة لابن الهمام(29) وشرح السنوسية الوسطى للسنوسي(92).

([17]) انظر: الخلاصة النافعة للرصاص (62).

([18]) انظر في معاني الأصل: البحر المحيط للزركشي (1/16).

([19]) انظر: الإرشاد الجويني (39).

([20]) انظر: المرجع السابق (39).

([21]) انظر: أصول الدين للبغدادي (37).

([22]) التمهيد للنسفي (4) وانظر: أصول الدين للبغدادي (37) ولمع الأدلة للجويني (88).

([23]) انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي (95).

([24]) انظر: التمهيد للنسفي (5).

([25]) لمع الأدلة للجويني (89) وانظر: الإنصاف للباقلاني (28).

([26]) انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي (93).

([27]) انظر: الإنصاف للباقلاني (28) ولمع الأدلة للجويني (89).

([28]) انظر: التمهيد للنسفي (5).

([29]) انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي (112).

([30]) انظر: درء التعارض لابن تيمية (8/344) و(1/303).

([31]) انظر: شرح اللمع للباقلاني بواسطة: درء التعارض (8/332) وشرح الأصول الخمسة للقاضي (95).

([32]) شرح اللمع للباقلاني بواسطة: درء التعارض لابن تيمية (8/335).

([33]) درء التعارض لابن تيمية (8/344).

([34]) انظر: الأربعين في أصول الدين الرازي (1/32) ودرء التعارض ابن تيمية (2/345-369).

([35]) انظر: المواقف في علم الكلام للإيجي(90) وشرح المقاصد للتفتازاني (2/112).

([36]) انظر:الإرشاد الجويني (49) وإحياء علوم الدين للغزالي (1/151) ومعالم أصول الدين للرازي (40) والمطالب العالية الرازي (1/207).

([37]) شرح الأصول الخمسة للقاضي (118) وانظر في شرح ذلك الدليل ونقده: المطالب العالية الرازي (1/210).

([38]) انظر: الإرشاد الجويني (49) وشرح عقيدة أهل التوحيد الكبرى الحامدي (103).

([39]) انظر: الإرشاد للجويني (28).

([40]) الفتاوى لابن تيمية (3/304).

([41]) انظر: المطالب العالية للرازي (1/71 75) وأبكار الأفكار للآمدي (2/348) ودرء التعارض لابن تيمية (2/389 390).

([42]) الصواعق المرسلة ابن القيم 02/460).

([43]) انظر في أوصاف الدليل الشرعي: الأدلة العقلية النقلية على أصول الاعتقاد سعود العريفي (87 -113).

([44]) درء التعارض لابن تيمية (7/230) وانظر الإشارة إلى قريب من تلك الفكرة: رسالة إلى أهل الثغر للأشعري (185).

([45]) الغنية عن الكلام للخطابي- صون المنطق والكلام- للسيوطي (94) ودرء التعارض ابن تيمية (7/296-297).

([46]) الحجة في بيان المحجة للأصفهاني (1/110 - 111).

([47]) فيصل التفرقة للغزالي ضمن مجموعة رسائل الغزالي (250).

([48]) الفتاوى لابن تيمية (3/304).

([49]) منهاج السنة لابن تيمية (1/303).

([50]) الصفدية لابن تيمية (1/275).

([51]) انظر في الاستدلال بها: رسالة الحرة الباقلاني (30) وتنزيه القرآن عن المطاعن القاضي عبدالجبار (122) والشامل الجويني (246) والكشاف الزمخشري (2/39) وأساس التقديس الرازي (21) والتفسير الكبير الرازي (5/45) ومحصل أفكار المتقدمين والمتأخرين الرازي (337).

([52]) انظر: نقض أبي سعيد على بشر المريسي العنيد الدارمي (1/357) ودرء التعارض (1/314).

([53]) انظر: شرح الطحاوية ابن أبي العز (1/25).

([54]) انظر: تفسير ابن كثير (4/292).

([55]) تهذيب اللغة الأزهري 015/378).

([56]) معجم مقاييس اللغة ابن فارس (1/119).

([57]) انظر: لسان العرب ابن منظور (11/18) والصحاح الجوهري (4/1623) غيرهما.

([58]) انظر: درء التعارض ابن تيمية (1/109 314).

([59]) انظر: مجموع الفتاوى ابن تيمية (6/253) وانظر أوجه أخرى في نقد هذا الاستدلال: درء التعارض (1/118).

([60]) فوائد في مشكل القرآن العز بن عبدالسلام (119).

([61]) مجموع الفتاوى ابن تيمية (6/254).

([62]) انظر في ذم دليل الحدوث لصعوبته وغموضه: مقدمة في نقد مدارس علم الكلام محمود قاسم ضمن مناهج الأدلة - ابن رشد (15)

([63]) رسالة إلى أهل الثغر للأشعري (186).

([64]) الكشف عن مناهج الأدلة لابن رشد (43).

([65]) الفتاوى ابن تيمية (2/22).

([66]) المرجع السابق نفس الصفحة وانظر: درء التعارض ابن تيمية (8/84-86).

([67]) غاية المرام الآمدي (249).

([68])     رسائل الكندي الفلسفية (1 /111)، وشرح البرهان لأرسطو، ابن رشد (207)، وتفسير ما بعد الطبيعة، ابن رشد (1/352).

([69])     الفصل في الملل والنحل، ابن حزم (5/109).

([70]) الرد على المنطقيين لابن تيمية (249).

([71]) انظر: شرح الطحاوية ابن أبي العز (1/38) والكشف عن مناهج الأدلة ابن رشد (59) والعواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم ابن الوزير (4/74).

([72]) نهاية الإقدام الشهرستاني (123).

([73]) إحياء علوم الدين الغزالي (1/151).

([74]) درء التعارض ابن تيمية (8/113).

([75]) المرجع السابق (8/117) وانظر: المرجع نفسه (3/121).

([76]) درء التعارض ابن تيمية (7/219).

([77]) المرجع السابق (8/305 307 310).

([78]) المرجع السابق (3/118 120).

([79]) درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية (8/17-21)، وانظر: شرح الأصفهانية، لابن تيمية (2/558)، ومجموع الفتاوى (9/53).

([80]) الفتاوى لابن تيمية (2/22).

([81]) انظر في الخلاف بين المتكلمين في دليل الحدوث: تبصرة الأدلة النسفي (1/44-80) الأربعين في أصول الدين الرازي (1/19-138) و(2/3-17) والإرشاد إلى قواطع الأدلة الجويني (39-68) وأصول الدين البغدادي(33- 76) والتذكرة في أحكام الجواهر والأعراض ابن متويه وغيرها كثير.

([82]) انظر: درء التعارض ابن تيمية (2/188).

([83]) انظر في حكاية نقد المتكلمين بعضهم لبعض في دليل الحدوث: درء التعارض ابن تيمية (2/345) و(3/23 30 449).

([84]) انظر: غاية المرام الآمدي (187- 191) ودرء التعارض ابن تيمية (3/23 30 449).

([85]) شرح الهدهدي على أم البراهين (45) وانظر: شرح جوهرة التوحيد البيجوري (88).

([86]) انظر: مختصر الصواعق للموصلي (166).

([87]) انظر: بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية (1/426).

([88]) الفتاوى لابن تيمية (3/305).

([89]) انظر: المرجع السابق نفس الصفحة.

([90]) الصواعق المرسلة لابن القيم (3/987).

([91]) انظر: طوالع الأنوار للبيضاوي (222) والصحائف الإلهية للسمرقندي (442).

([92]) انظر: الميزان في أصول الفقه للسمرقندي (1/50)

([93]) الاستقامة لابن تيمية (1/50).

([94]) الفتاوى لابن تيمية (2/86).

([95]) انظر: نهاية الأصول الأرموي (1/ 56 57) والكاشف عن المحصول الأصفهاني (1/217) والمحصول الرازي (1/290) والبحر المحيط الزركشي (1/118 120).

([96]) انظر: درء التعارض ابن تيمية (1/159 -165) و(3/95 263).

([97]) الفتاوى ابن تيمية (5/545 546). 


المرفقات

  • الخلل المنهجي في دليل الحدوث.pdf

    451.94Kb

Comments

Leave a comment

Blog categories

عربة التسوق

Loading...