. 5 نوفمبر, 2022, 11:28 AM
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على
أشرف الأنبياء والمرسلين .. وبعد :
حرية التعبير مركب إضافي يقع ضمن سلسلة طويلة من المركبات التي تتصدرها كلمة الحرية،كحرية الفكر،وحرية
الحركة ،وحرية المرأة ،وحرية الاقتصاد ،وحرية الأديان ،وحرية السياسة ،وفي عصرنا الحاضر أضحت هذه المركبات
مصطلحات لمفاهيم يروج لها الإعلام العالمي ومؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان العالمية والوطني؛
كي تكون قيما عالمية تحيا البشرية بها ومن أجلها .
والمسلم المؤمن بعالمية دينه وشموله لمصالح العباد وصلاحيته لكل زمان ومكان لا يفوته أن ما ينشأ في عصرنا من
أفكار ومفاهيم أنتجتها الحضارة المتغلبة ،لا يخرج اعتناقها عن حكم من أحكام الإسلام الخمسة التي تغطي كل ما
يطرأ على الإنسان في حياته من أعمال العقل والجوارح ،وقد يكون هذا الحكم جليّا في ذاته بظاهر النصوص
وقطعيّها ،وقد يحتاج إظهاره إلى تجلية من أهل العلم بدقائق الشريعة ومن طلبة العلم الباحثين في تفاصيل نصوصها
واجتهادات العلماء السابقين فيها .
ومن الخير الذي أبقاه الله تعالى في أمته أن أمثال هؤلاء العلماء وطلبة العلم الباحثين وقفوا أمام وافدات الحضارة الغربية
من المخترعات المادية والفكرية ومنها مصطلح الحرية وما تركب معه ،وقفة متأمل متفحص عارض لها على نصوص
الشريعة ومقاصدها ،فلا تكاد تجد مستجدا من هذه الأمور إلا وللعلماء فيه فتاوى وأبحاث ، لكن سنة الله تعالى في
كونه أن لا يستأثر أول على آخر بعمل فلا يزال يبقى للعاملين ما يتقربون به إلى الله تعالى من بث العلم والخير مهما
بلغ سابقوهم من الكثرة ومكانة العلم ومكان الاجتهاد.
ولعل من ذلك ما تهيأ من الخير لأخينا الشيخ خالد بن عبد الله الشمراني في رسالته التي نال بها شهادة الدكتوراه
ونشرها مؤخرا مركز التأصيل للدراسات والبحوث، وموضوعها حرية التعبير وجاء عنوانها معبرا عن ما تتضمنه من
مباحث وهو (التعبير عن الرأي –ضوابطه ومجالاته في الشريعة الإسلامية) .
وقد بدأت صلتي بهذا الكتاب من منطلق عنايتي الشخصية بمسألة الحرية ومناقشتها من جميع جوانبها ،حيث ألفيت
في هذا البحث : التعريف بمفهوم التعبير كما تصورها الثقافة الغربية وموقف الإسلام منها بذلك الاعتبار عبر جمع
متفرقات المسائل الفقهية المسطورة في كتب التراث الإسلامي وبيان علاقة هذا المفهوم بها،وتنزيل الأحكام التكليفية
الخمسة على هذا المفهوم في أحواله وتطبيقاته، مع مناقشة مؤصلة للآراء المختلفة ،وذلك ما لم أره حسب ما اطلعت
عليه في مؤلف آخر تخصص في معالجة هذه الفكرة ،الأمر الذي حفزني إلى كتابة هذا المقال الذي أرمي من خلاله إلى
التعريف بهذا الكتاب عبر عرض موجز لأبوابه وفصوله مخليا النظرة النقدية ومناقشة الباحث في آرائه ومنهجه إلى قراء
الكتاب أو إلى مقال آخر أكتبه أو يكتبه آخرون .
في البداية المنهجيّة للكتاب والتي تعتني عادة بالمدخل لمادة البحث عرّف المؤلف مكونات عنوان البحث ، وهي
مفردات : التعبير ، والرأي ، والضوابط،ويلاحظ أنه تجنب الحديث عن معنى الحُريّة في اللغة والاصطلاح ، وجذورها
الفكرية ، وعلاقتها بمسألة التعبير عن الرأي ،وهي علاقة متينة جدا يدل عليها أن مسألة التعبير عن الرأي لا تثار في
المجالات الإعلامية والحقوقية في العالم بأسره إلا مقرونة بالحرية على اعتبار أنها حق مسلّم به لكل إنسان ،بل إن مواثيق
المنظمات والهيئات الحقوقية التابعة للأمم المتحدة تنصّ على الحرية بجميع أشكالها ، ومنها : حرية التعبير عن الرأي
كحق تسعى الشعوب لاستخلاصه ، سواء أكان في الدين ، أم الصحافة ، أم السياسة ، أم الاجتماع .
ويبدو لي أن الباحث لم يخف عليه ذلك ، وربما جاء إهماله لكلمة الحرية باعتبارها مصطلحا بقصد إثبات قدرتنا على
مناقشة مستجدات عصرنا دون الحاجة إلى تقرير هذه المصطلحات أو الترويج لها ،لاسيما وأنها قد تحملت من الأعباء
والأثقال ما يجعل استخدامها مؤديا حتما إلى التضرر من حمولتها وعبئها الثقافي الثقيل.
وقبل أن يدلف الكاتب إلى الباب الأول من الكتاب ، ضمَّن تمهيده مبحثا عن عناية الإسلام بحقوق الإنسان ،وكان
مطلبه الأول عن مكانة الإنسان في الإسلام من حيث كونه مستخلفا في الأرض ، وأنه محور الرسالات السماوية .
وقضية استخلاف الإنسان في الأرض، وحقيقة المراد منها قضية كبرى تفرد القرآن من بين الكتب السماوية بالإشارة
إليها، ومع هذا لم تنل من الباحث حظها الذي تستحقه ؛ وذلك بسبب وضعها ضمن التمهيد للرسالة الأساس .
كما تضمن التمهيد الإشارة الموجزة إلى خصائص حقوق الإنسان في الإسلام ، واكتفى الباحث بإشارات موجزة تنظيريَّة
محضة خالية من الاستدلال أو التطبيق ، ويتضح من أسلوب سرد الباحث لها أثر وضعها تحت مسمى : التمهيد .
وإن كان الموضوعان الأولان: أعني مكانة الإنسان ، وخصائص حقوقه في الإسلام ؛ يقبل فيهما الإيجاز لمكانهما في
التمهيد ، فإن المطلب الثالث من هذا التمهيد كان يستحق من الباحث مجالا أوسع ؛ لأنه في تقديري هو المنطلق
الأساس لسائر أبواب البحث ، وأعني به : مدى اعتبار التعبير عن الرأي حقا من حقوق الإنسان في الإسلام .
فإن هذه القضية لم
تستغرق من الباحث سوى صفحة وجزء من الصفحة ، حاول جاهدا ضغط الكثير من الأفكار
داخلها ، والحق إنها كانت حَرِيَّة بشيء من التفصيل ؛ حيث إنها قضية تستثير كثيرا من الأسئلة التي تحتاج إلى جواب
تفصيلي من أمثال الباحث من أهل العلم والقدرة على
البحث والسبر .
ومن هذه الأسئلة التي يثيرها عنوان هذا المطلب : ما هو الحق ؟! حيث إن هذه الكلمة أصبح لها من الرواج في مجال
السياسة والإعلام والاجتماع والتنظيم ما جعلها تستخدم كوسيلة من وسائل الضغط في المطالبات الحقوقية ، دوليا
ومحليا.
سؤال ثانٍ كان يستحق المقام الجواب عليه هو : مكان التعبير من الفطرة ، وخصائص النفس الإنسانية، وعلاقة التعبير
بالتفكير الذي أمر الله سبحانه وتعالى به ؛ فقد أشار الباحث إلى مكان العقل في القرآن وأهمية إعماله ، وكان من
الممكن أن يستطرد في تفصيل العلاقة بين نتاج العقل والتعبير .
جاءت البداية الحقيقية للبحث من الباب الأول الذي سماه الباحث : الضوابط الشرعية للتعبير عن الرأي وموقف الشريعة
الإسلامية من أصحاب الآراء غير المشروعة، وقد تضمن هذا الباب أربعة فصول ، فصلت الثلاثة الأول منها الضوابط
التي يراها الباحث للتعبير عن الرأي في الشريعة الإسلامية ، أما الفصل الرابع فجاء للحديث عن موقف الشريعة
الإسلامية من أصحاب الآراء غير المشروعة .
الضابط الأول عنده هو : مشروعية الرأي ، وقد ذكر الباحث في أول كلامه عن المشروعية أنه لم يعثر في كلام أهل العلم
على تحرير واضح لحقيقة المشروعية في الاصطلاح الشرعي ، ثم رجّح أن مصطلح المشروع يندرج تحته من الأحكام
التكليفية كلا من : الواجب ، والمندوب . وذكر أن إدراج المكروه تحت مصطلح ( غير المشروع) فيه إشكال ، ثم أخذ
يفصّل القول في دخول المكروه تحت المشروع أو غير المشروع ،والحقيقة أنه لم يصل بالقارئ إلى أمر قاطع في هذه المسألة،
فبقي الإشكال قائما .
وانطلق من المكروه إلى الحديث عن مدى اعتبار المباح مشروعا ، ثم وصل بنا إلى أن قال : " إن المباح لا يندرج تحت
مصطلح المشروع حقيقة ؛ لأنه غير مكلف به على الصحيح ، لكن يمكن أن يعتبر المباح مشروعا تجوزا من باب
التغليب، وبعد ذلك بسطر قال : " إن كلا من الواجب والمندوب والمباح يندرج تحت مصطلح المشروع " ، فهو هنا
يعتبره داخلا .
فنحن لا نستطيع أن نفهم من العبارتين سوى كونهما متناقضتين ، فهو تارة يرى المباح غير داخل في المشروع وتارة
يدخله فيه .
ينتهي هذا المبحث بتعريف مختار للمشروع وهو : " ما أمر الشرع به أو سوَّغه من غير ترتيب ثواب على تركه " ؛ وأشار
بقوله " سوّغه " : إلى المباح ، وأخرج المكروه بقوله : " من غير ترتيب ثواب على تركه".
وفي مبحث تالٍ تحدث الباحث عن الرأي المشروع وأنواعه ، والرأي المشروع عنده : " ما يرجح في القلب بعد فكر وتأمل
لمعرفة وجه الصواب واستخراج حال العاقبة مما أمر به الشارع أو سوّغه من غير ترتيب ثواب على تركه " ،وقسم الرأي
المشروع الذي هذا تعريفه إلى أنواع :
الأول : رأي الصحابة
رضي الله عنهم .
النوع الثاني : الرأي
الذي يفسر النصوص .
النوع الثالث : الإجماع
المستند إلى الاجتهاد الجماعي .
النوع الرابع :
الاجتهاد في استنباط حكم الواقعة بعد البحث عن حكمها في الكتاب والسنة وآراء
الصحابة .
النوع الخامس : الرأي
في مجال الأمور الدنيوية لأصحاب الخبرة
والتجربة .
وملاحظتي على هذا التقسيم أنه جمع أنواعا متداخلة أو من أجناس مختلفة وجعلها قسائم لبعضها ؛ وهو أمر غير مستقيم
منطقيا ؛ وبيان ذلك : أن رأي الصحابي ليس قسيما لما بعده ؛ بل يمكن أن يكون قسما من الرأي الذي يفسر
النصوص أو قسما من الاجتهاد في استنباط حكم الواقعة ، أو قسما من الرأي في مجال الأمور الدنيوية . وكذلك
الإجماع ليس قسيما لرأي الصحابي بل لو قال قائل : إن الإجماع لا يدخل في مجال الرأي مطلقا لكان محقا ، ولعل
وجهة الباحث أن الإجماع الذي يعنيه منصرف إلى ما كان مأخذه الاجتهاد الجماعي ، والاجتهاد الجماعي مكوّن من
رأي فلان وفلان وفلان ؛ فإن توجَّه الباحث إلى ذلك عدنا إلى أن الأصل هو كونه اجتهادا في استنباط حكم واقعة فهو
داخل فيما جعله الباحث نوعا رابعا، وفي ظني أن التقسيم يكون أكثر انسجاما لو كان إإلى نوعين :
النوع الأول : الرأي في
الأمور الشرعية ممن هو أهل للنظر الشرعي .
النوع الثاني : الرأي في مجال الأمور الدنيوية لأصحاب الخبرة والتجربة ، ويدخل في هذين النوعين العديد من الأقسام ،
ومنها : رأي الصحابي الذي جعله الباحث نوعا مستقلا بذاته .
انتقل الباحث بعد ذلك للحديث عن الرأي غير المشروع وأنواعه ، فعرف الرأي غير المشروع بأنه : " ما يرجح في القلب
بعد فكر وتأمل مما يتصادم مع نصوص الشرع وقواعده الكلية " .
وهذا التعريف فيما يبدو لي يخرج نوعا مهما وكثير الشيوع في أوساط الناس من الرأي غير المشروع وأعني به : ما رجح في
القلب دون فكر ودون تأمل مما يتصادم مع نصوص الشرع وقواعده الكلية ؛ وذلك أن الأمة الإسلامية في حياتها الفكرية
المعاصرة أعظم ما يكون ابتلاؤها بالآراء المصادمة للشرع ، والناتجة عن غير فكر وتأمل ؛ بل هي ثمرة الهوى ، أو الطغيان
وحب الغلبة ، أو الضعف النفسي ، أو الفكري ، أو الضحالة الثقافية .
فإذا تقرر أن هذا النوع من الآراء هو موضع البلاء في أمتنا في عصرنا الحاضر فكيف سوّغ الباحث إخراجه من الرأي غير
المشروع ؟!، ولعله اقتصر في بحثه على ما عرّف به الرأي في مقدمة كتابة؛ حيث قال: " كل ما يرجح في القلب بعد فكر
وتأمل لمعرفة وجه الصواب واستخراج حال العاقبة " ، لكن القارئ من حقه أن يعترض على هذا الحصر لمواد البحث بما
يدخل تحت هذا التعريف؛ لأن ولع القارئ بمثل هذه الأبحاث إنما يأتي من كونها أكثر حضورا في معالجة قضايا واقِعِه ،
ولا شك أن المشكلة في التعبير عن الرأي أكبر بكثير من الرأي الناتج عن فكر وتأمل أو استنباط حال العاقبة .
ثم قسم الباحث الرأي
غير المشروع إلى أنواع :
الأول : الرأي المخالف للنص
.
الثاني : الكلام في
الدين بالخرص والظن مع التفريط والتقصير في معرفة النصوص وفهمها واستنباط الأحكام
منها .
الثالث : الرأي المتضمن
تعطيل أسماء الرب وصفاته وأفعاله بالمقاييس الباطلة التي وضعها أهل البدع والضلال
.
النوع الرابع : الرأي
الذي أحدثت به البدع وغيرت به السنن .
النوع الخامس : القول في أحكام شرائع الدين بالاستحسان والظنون والاشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات ورد الفروع
بعضها إلى بعض قياسا دون ردها إلى أصولها.
ويلحظ على هذا التقسيم أمور منها : أن ما سماه " النوع الثاني " خارج عن تعريفه للرأي الذي ذكر أنه المراد بهذا
الكتاب ؛ وذلك أن الكلام في الدين بالخرص والظن مع التفريط والتقصير في معرفة النصوص ليس راجحا في القلب بعد
فكر وتأمل لمعرفة وجه الصواب ـ كما في تعريف الباحث للرأي ـ بل نتاج مجازفة وهوى .
وكذلك ما سماه " النوع الثالث " لا يخرج بحال عن النوع الأول ؛ فإن تعطيل أسماء الرب وصفاته وأفعاله بالمقاييس الباطلة
التي وضعها أهل البدع والضلال هو عينه الرأي المخالف للنص الذي يعلم بالاضطرار من دين الإسلام فساده وبطلانه ،
ولا تحل الفتيا به ولا القضاء وإن وقع فيه من وقع بنوع تأويل وتقليد .
انتقل الباحث إلى الحديث عن الأصول الشرعية للتعبير عن الرأي المشروع وذكر أن الأصل الأول هو الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ناقلا قول ابن جرير : " وأصل المعروف : كل ما كان معروفا فعله ، جميلا مستحسنا ، غير مستقبح في
أهل الإيمان بالله ، وإنما سميت طاعة الله معروفا ؛ لأنه مما يعرفه أهل الإيمان ولا يستقبحونه والمنكر ضد المعروف وكل ما
قبّحه الشرع وحرّمه وكرهه فهو منكر .
وتحدث عن أهمية الأمر بالمعروف مستحضرا قول ابن تيمية : وإذا كان جماع الدين وجميع الولايات هو أمر ونهي ، فالأمر
الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وبين الباحث وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن ذلك قد دلت عليه النصوص الكثيرة ، مع تنوع في أساليب
طلب القيام بهذه الشعيرة العظيمة .
هذا الحكم بالوجوب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ذاته ، أما بالنظر إلى حال المخاطب فلا يكون واجبا
عينيا إلا إذا علم المكلف ما يأمر به وينهى عنه ، وكان المأمور به واجبا ، والمنهي عنه محرما، مع القدرة على هذا العمل؛
حيث إن العاجز لا وجوب عليه ، وتختلف القدرة من مكلف إلى آخر .
أما الأصل الثاني من أصول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو الشورى التي اختار الباحث في تعريفها أنها : "
استطلاع الرأي من ذوي الخبرة فيه للتوصل إلى أقرب الأمور إلى الحق "
.
والشورى مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم وفي السنة العملية للرسول صلى الله عليه وسلم ومن
عمل الصحابة رضي الله عنهم من النماذج ما تشرف به النفوس.
أما الأصل الثالث فهو أن التعبير عن الرأي من المقاصد الحاجيّة ، وهي : ما يفتقر إليه من حيث التوسعة ورفع الضيق
المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة .
وتحدث الباحث في هذا الموضع عن مدى اعتبار التعبير عن الرأي من المقاصد الحاجيّة ، وختم كلامه فيه بأن الشارع
اعتبر المصالح ، والدليل على اعتبار المصالح استقراء أحكام الشريعة والنظر في أدلتها الكليّة والجزئية وبحث ما انطوت عليه
من هذه المقاصد فإنه يؤدي إلى القطع باعتبار الشارع لها على نحو ما يستفاد من القطع بالتواتر المعنوي مع إغفال ما
يتعلق بذيل كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة من المقاصد ما يجري من هذه المقاصد مجرى التكملة والتتمة له .
انتقل الباحث إلى أهلية التعبير عن الرأي المشروع وتحدث فيه عن شروط التأهل للتعبير عن الرأي المشروع في المسائل
الشرعية وفي الأمور الدنيوية ، أما الأولى فيرى الباحث أن شروطها شروط الفتيا ذاتها وهي : الإسلام والتكليف والعدالة
والاجتهاد وجودة القريحة .
وهذا الذي ذكره الباحث لا يدخل فيه العقلاء ممن ليسوا من أهل الفتيا وبحث مدى أهليتهم في إبداء الرأي في الأمور
الشرعية .
ومما لا أشك فيه أن المسلم له حق في إبداء الرأي في بعض الأمور الشرعية وكنت أتمنى لو استقصاها في كتابه هذا ،
كحق العامي في التخيُّر في آراء المفتين إذا تساوت عدالتهم وعلمهم ، وهذا الأمرخاصة لعلماء أصول الفقه فيه كلام
مهم يحسن ذكره في هذا المجال .
أما التعبير عن الرأي في الأمور الدنيوية فقد جعل له الباحث شروطا وهي : التكليف والخبرة والصدق، ولما كان الظاهر
من هذه الشروط إخراج الكافر بيَّن الباحث أن للعلماء في قبول رأي الكافر قولان :
أحدهما : عدم القبول
مطلقا .
والثاني : قبول أخباره
إذا غلب على الظن صدقه .
والذي يبدو لي أن خلاف العلماء وقع في قبول خبر الكافر دون رأيه ولا يخفى الفرق بين الخبر والرأي، وكنت أتمنى لو أن
الباحث حينما لم يلق لأهل العلم كلاما عن رأي الكافر اجتهد في بيان حكمه ؛ حيث إن هذه المسألة تعد من النوازل
التي قل أو ندر أو انعدم حديث العلماء الأوائل عنها ، فكانت مما نحتاج إلى ابتداء القول فيه ، لاسيما وأن آراء الكفار
لها في عصرنا الحاضر ظهور في الكثير من تفاصيل حياتنا اليومية الثقافية والعملية .
وفي ختام الفصل الأول من هذا الباب تحدث الباحث عن القاعدة المشهورة : لا إنكار في مسائل الخلاف وعلاقة هذه
القاعدة بضابط مشروعية الرأي الذي هو مدار الفصل الأول ، وقد بحث هذه المسألة بحثا أصوليا ، حرر فيها محل النزاع،
وبين فيه معنى الإنكار وضابط الخلاف الذي لا ينكر فيه ، وقسم مسائل الخلاف إلى ما يكون الخلاف فيها ضعيفا ،
ورجح القول بمشروعية الإنكار في المسائل التي ضعف فيها الإنكار ، وإلى مسائل يكون الخلاف فيها قويا وهي ما
يمكن أن يطلق عليها مسائل الاجتهاد ، ورجح ما ذهب إليه الجمهور من عدم الإنكار في المسائل الاجتهادية التي
ليس فيها نص يجب المصير إليه ، أو إجماع يلجم به المخالف . ولم يذكر في هذا الترجيح حكم الإنكار في المسائل
الخلافية التي فيها نصوص واضحة وقد يكون الجمهور على خلافها كمسألة : سفرالمرأة دون محرم ، وتغطية الوجه ،
كما لم يذكر المسائل التي قوي فيها الخلاف وفيها نصوص واجبة المصير إليها أيضا ، لكن القول بخلاف النصوص
ليس بقول للجمهور ، وإن كان قولا لبعض الأئمة المعتبرين ، وذلك كتزويج المرأة نفسها دون ولي .
وفي الفصل الثاني تكلم عن الضابط الثاني وهو : مراعاة ما يؤول إليه التعبير عن الرأي من مصلحة ومفسدة ،حيث تكلم
فيه من حقيقة المصلحة والمفسدة ،ومدى اعتناء الشريعة بجلب المصلحة ودرء المفسدة، والحكم في تعارض المصلحة
والمفسدة،وأقسام المصلحة ،وضوابطها ،وعلاقة كل ذلك بالتعبير عن الرأي.
وفي تعريفه الاصطلاحي للمصلحة ذكر تعريف الغزالي لها وهو : " عبارة في الأصل عن جلب منفعة أو دفع مضرة "،ثم
فسر الغزالي ذلك بقوله : " ونعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع ومقصود الشرع من الخلق خمسة .. " ،ثم ذكر
المقاصد التشريعية الخمسة وهي : حفظ الدين والنفس،والعقل،والسل،والمال .
وفي الحديث عن اعتناء الشريعة بجلب المصالح ودرء المفاسد سطّر كلاما لعلماء السلف مما هو مستخرج من نصوص
الكتاب والسنة ،والذي يدل في مجمله ومضمونه" على الحِكَمِ ومصالح العباد في المعاش والمعاد " .
وفي أقسام المصلحة ذكر التقسيم المشهور لدى العلماء ،وهو تقسيمه من حيث ذاتها إلى مصالح ضرورية وحاجيّة
وتحسينية ،وخلص إلى أن التعبير عن الرأي من المصالح الحاجية .
ثم ساق الحديث عن مدى اعتبار الشريعة لمآلات الأفعال ،وبيّن أن النظر في مآلات الأفعال معتبرة مقصودة شرعا،
كانت الأفعال موافقة أو مخالفة ،وبأن الشرع ينهي عن الفعل غير المشروع ابتداء كما ينهى عن الفعل المشروع إذا كان
مآله غير مشروع ،ثم أورد الأدلة الإجمالية والتفصيلية على اعتبار الشريعة لمآلات لأفعال .ثم ربط ذلك بمسألة التعبير عن
الرأي ،وأنه يجب عند التعبير عن الرأي مراعاة ما يؤول إليه التعبير عن الرأي من مصلحة أو مفسدة .
وفي الفصل الثالث تكلم عن الضابط الثالث وهو : مشروعية الوسيلة . حيث تكلم عن حقيقة الوسيلة ،وأهميتها،
وعلاقتها بالمقاصد ،ثم اتبع ذلك بدراسة موضوعية لبعض الوسائل المعاصرة للتعبير عن الرأي والتي منها : المظاهرات،
العصيان المدني،الإضراب عن العمل ،الإضراب عن الطعام مع بيان موقف الشرع من كل ذلك.
وفي حديثه عن الوسيلة
ذكر لها معنيان أحدهما عام وهو : الأفعال التي يتوصل بها إلى تحقيق المقاصد .
والآخر خاص وهو : الفعل الذي لا يقصد لذاته لعدم تضمنه المصلحة أو المفسدة ،وعدم أدائه إليها مباشرة ،ولكنه
يقصد للتوصل به إلى أفعالٍ أخرى هي المتضمنة للمصلحة أو المفسدة ،والمؤدية إليها .
وفي الكلام عن أهمية الوسائل وعلاقتها بالمقاصد بيّن أن حكمة الله تعالى اقتضت ربط المقاصد بالوسائل ،وأن تحصيل
المقاصد متوقف على وسائل تفضي إليها، وأن تحقيق الغايات مرهون بأسباب توصل إليها ،ثم ساق الأدلة على
ذلك، وأتبعه بذكر قواعد ذات صلة بالتعبير عن الرأي ،كقاعدة : الوسائل لها أحكام المقاصد ،وقاعدة : مراعاة المقاصد
أولى من مراعاة الوسائل ،وقاعدة : سقوط المقاصد بسقوط الوسائل ،وقاعدة سقوط الوسائل بحصول المقاصد.
وفي حديثه عن بعض وسائل التعبير عن الرأي المعاصرة تكلم عن المظاهرات، وذكر تعريفها السياسي والذي هو : " عبارة
عن مسيرة شعبية تنظم لغرض إعلان الشعور الجماهيري بالتأييد أو بالاحتجاج والمعارضة " ،كما ذكر نماذج من صور
المظاهرات عبر التاريخ ،ونماذج من التاريخ الإسلامي الذي ذكر فيه ثلاثة صور : خروج المسلمين إلى المسجد الحرام في
صفَّين عقب إسلام عمر –رضي الله عنه،وخروج الناس مع العز بن عبدالسلام عقب خلافه مع سلطان مصر،وحادثة
ذكرها ابن الجوزي في خروج الناس منكرين لبدعة الرفض .
ثم تكلم عن العصيان المدني والذي هو عبارة عن : " عدم الطاعة والامتثال لما يطلبه الإمام أو الحاكم، وذلك بترك المأمور
وفعل المحظور " ،وذكر بواعثه ،ونماذج تاريخية عنه ،ثم ختمه بالكلام حول مسألة طاعة ولاة الأمر في المعروف والمعصية،
وخلص إلى وجوب طاعتهم في المعروف وحرمة طاعتهم في المعصية .
وفي نهاية الأمر ربط المسألة بما هو بصدده في هذا الكتاب وهو التعبير عن الرأي وتوصل إلى أن العصيان المدني الذي هو
من أنواع التعبير عن الرأي يرتبط ارتباطا وثيقا بمسألة طاعة ولاة
الأمر .
وفي كلامه عن الإضراب عن العمل بيّن حقيقته وأنه : " توقف الموظفين أو المهنيين أو التجار أو غيرهم عن العمل بصورة
مقصودة وجماعية " ،ثم بيّن أنواعه، وبواعثه ،كما ذكر نماذج من صور الإضراب عن العمل في العصر الحديث،وختم
الكلام في هذا المطلب ببيان حكم الإضراب عن العمل وتوصل إلى أن إضراب العامل عن العمل مع التزام رب العمل
بمقتضى العقد وشروطه لا يجوز وأما إضراب التجار والمهنيين عن إبرام العقود فيصح ما لم يكن هناك ضرر أو إضرار
فحينئذ لا يجوز .
وعند كلامه عن الإضراب عن الطعام بين حقيقته وأنه " الامتناع عن الأكل تعبيرا عن السخط وكوسيلة للضغط من أجل
تغيير وضع من الأوضاع غير المرضِيَة لدى المضرِب "، ثم ذكر أنواعه،وبواعثه،ونماذج من صور الإضراب عن الطعام عبر
التاريخ ،وفي نهاية المطاف بين حكم الإضراب عن الطعام وتوصل إلى أن الإضراب الرمزي عن الطعام جائز ،وأما
الإضراب الكلي عن الطعام والذي يفضي إلى التهلكة أمر محرم شرعا ويعد ضرب من ضروب الانتحار.
ثم تكلم في الفصل الرابع عن موقف الشريعة الإسلامية من أصحاب الآراء غير المشروعة ودور العلماء في حفظ الدين
عن طريق الرد عليهم ،وحكم مجادلتهم ،والطرق الشرعية للرد عليهم ،مع ذكر نماذج من مناظرات علماء السلف لأهل
البدع والآراء غير المشروعة وختم هذا الفصل ببيان دور الحكام في مجابهة أصحاب الآراء غير المشروعة عن طريق تطبيق
الزواجر والعقوبات الشرعية لكف شرهم والضرب على أيدي العابثين منهم .
وقد وفِّق الكاتب في هذا الفصل غاية التوفيق من خلال عرضه للضروريات الخمس التي جاءت الشريعة بالمحافظة عليها ؛
وجودا بالمحافظة على ما يقيم أركانها، وعدما بدرء الفساد الواقع أو المتوقع عليها .
ثم ربط ذلك بالحديث على الرد على أصحاب الآراء غير المشروعة ،حيث تناول بالشرح والبيان المفردات المتعلقة بذلك،
وهي : الرَّد ،والمجادلة . والمناظرة ،والمحاورة . وبعد ذلك انتقل إلى الحديث عن أهمية الرد على أصحاب الآراء غير
المشروعة ومنزلة ذلك من الدين ،وختمه بقول الشاطبي – رحمه الله - : " فأما الجدال فيها – أي : في آيات الله –
لإيضاح ملتبسها ،وحل مشكلها ،ومقادحة أهل العلم في استنباط معانيها ،ورد أهل الزيغ بها وعنها فمن أعظم الجهاد في
سبيل الله " .
وفي معرض ذكره لنماذج من مناظرات علماء السلف لأهل البدع أورد مناظرة ابن عباس – رضي الله عنهما – للخوارج،
ومناظرة جرت بن أحمد بن دؤاد المعتزلي وأحد علماء السنة . وكان الأولى بالباحث في النموذج الثاني إيراد قصة مناظرة
الإمام أحمد بن حنبل مع ابن أبي دؤاد لأنها في نفس الموضوع إضافة إلى شهرتها واستفاضتها وشهرة الطرف الآخر
المناظِر؛ حيث يعطي ذلك بعدا أقوى للمناظرة .
ثم انتقل للحديث عن عقوبة أصحاب الآراء غير المشروعة حيث بيّن حقيقة العقوبة ،وذكر أقسامها،والمقصد من شرع
العقوبة ،فذكر ثلاث مقاصد للشارع من تشريع العقوبة ،وهي :
1 – تأديب الجاني ،وردعه
،وإصلاح حاله .
2 – زجر غير الجاني عن
ممن تسول له نفسه الشر والاعتداء على غيره .
3 – تطهير الجاني
وتكفير ذنبه .
وبعد ذلك تكلم عن التعزير فبيّن حقيقته وأنه " عقوبة غير مقدرة ،تجب حقا لله تعالى أو لآدمي ،في كل معصية ليس
فيها حد أو كفارة " . وذكر أنواعا للتعزير ومنها: التوبيخ والهجر،والتشهير،والنفي،والحبس، والجلد ،والقتل .
ثم أتبع ذلك بمبحث مستقل عن الردة حيث بيّن حقيقته ،وما تحصل به الردة ،وشروط صحة الردة،وعقوبة المرتد ،وأثر
إقامة حد الردة في مجابهة الآراء الكفرية . والقارئ لهذا المطلب يتطلع لما هو أكثر مما أورده الباحث نظرا للصلة الوثيقة بين
الموضوع والعنوان الرئيسي للكتاب ؛ نظرا لانتشار الكثير والعديد من المقالات والآراء التي تمس الدين والعقدة بشكل
مباشر ،إضافة لانتشار أعمال المنظمات الحقوقية الغربية وضغوطاتها في هذا المجال ،فكان القارئ يتشوف لمعرفة أحكام
هذه المستجدات بالتفصيل .
وفي الباب الثاني كان الحديث حول مجالات التعبير عن الرأي وضماناته في الشريعة الإسلامية حيث تكلم في الفصل
الأول عن المجال التشريعي وتناول فيه الحديث عن حاجة الناس إلى التشريع ،كما تناول خصائص الشريعة الإسلامية،
ومدى إلزامية الشورى للمحاكم في المجال التشريعي ،ثم اتبع ذلك بدراسة نقدية للمجالس التشريعية في الأنظمة
الديمقراطية ،وبيان موقف الإسلام منها ،وحكم المشاركة في عضوية المجالس التشريعية في ظل الأنظمة الديمقراطية .
وفي كلامه عن المجال التشريعي تكلم عن حقيقة التشريع في الإسلام،ومصدره،ثم تكلم عن خصائص التشريع في الإسلام
والتي من أهمها :
1 – أن التشريع
الإسلامي من عند الله ،وهو ما يطلق عليه صفة الربانية .
2 – أن الجزاء في
التشريع الإسلامي دنيوي وأخروي .
3 – عموم التشريع الإسلامي
وصلاحيته لكل زمان ومكان .
4 – شمول التشريع الإسلامي
لجميع شئون الحياة .
ثم بين أن حق التشريع في الإسلام هو لله وحده لا شريك له ،وساق العديد من الأدلة الدالة على ذلك .
ثم انتقل للحديث عن الشورى ودورها في المجال التشريعي ،فتكلم عن حكم الشورى خلص إلى القول بوجوب الشورى،
وأن ولي الأمر ملزم بالشورى عصمة له من الطغيان والاستبداد بالرأي الذي هو من صفات الإنسان .
كما تكلم عن أهل الشورى والصفات والخصائص التي يجب توفرها فيهم ،ومنها: الإسلام،الذكورة،التكليف،الحرية،
العدالة ،العلم ،الحكمة ،التجربة الجيدة ،والنصح والودّ للمستشير . كما تكلم عن مجالات الشورى ،ودورها في سن
الأنظمة المرعية .
ثم انتقل للحديث عن مسألة إلزامية الشورى للحاكم وخلص إلى القول بأن الحاكم ملزم برأي أهل الشورى في القرارات
المهمة ولأمور الخطيرة والمصالح العامة،حفظا لمصالح الأمة ،كما أن له البتّ في بعض الأمور الثانوية بصورة نهائية لأن
ذلك من ضرورات وجوده في موقع المسئولية .
وبعد ذلك انتقل للحديث عن المجالس التشريعية في الأنظمة الديمقراطية ،فتكلم عن حقيقة الديمقراطية،ونشأتها،
وخصائصها ،ثم بين حكم الإسلام فيها فذكر أن الأساس الفكري للديمقراطية باطل،بل هو كفر صراح ،وصورة من صور
الشرك ؛ لما يتضمنه من التحليل والتحريم من قبل البشر ،الانقياد والطاعة لغير الله تعالى .
ثم ذكر حكم المشاركة في عضوية المجالس التشريعية في ظل الأنظمة الديمقراطية وخلص إلى القول أن الأصل في المشاركة
فيها المنع ،ويتثنى من ذلك فيما إذا غلب على الظن أن المشاركة فيها مما يجلب للإسلام والمسلمين مصلحة راجحة ،أو
يدرأ عنهم مفسدة راجحة .
وفي الفصل الثاني من الباب الثاني تكلم عن مجال الفتيا حيث تناول الفتيا،وحقيقتها، ومنزلتها، وحكمها ،وعلاقتها
بالاجتهاد ،والفرق بين الفتيا والقضاء،وأصول وضوابط الإفتاء بالرأي ,ومدى التزام المفتي بالفتاوى الرسمية .
وفي معرض الحديث عن
أصول وضوابط الإفتاء بالرأي تكلم عن نطاق الاجتهاد بالرأي وأنه منضبط في نطاقين :
الأول : الاجتهاد في النصوص تفهما واستنباطا وتطبيقا في النصوص غير القطعية.
الثاني : الاجتهاد
بالرأي عند عدم النص .
ثم تكلم عن أصول الاجتهاد بالرأي فيما لا نص فيه ،فذكر : القياس،والاستصلاح أو المصالح المرسلة،وسد الذرائع،
والاستحسان ،والاستصحاب.ثم انتقل للحديث عن ضوابط الاجتهاد بالرأي فيما لا نص فيه ،فذكر في ذلك أربع
ضوابط .ثم ختم ذلك بذكر نماذج من صور الاجتهاد الخاطئ ،الذي لم يراعي فيه أصحابه ضابط الاجتهاد ،واستحضر
هذه النماذج من العصر الحديث .وكان الأحرى والأولى به استحضار نماذج من العصور السابقة حتى يتم التنبيه على أن
الاجتهاد الخاطئ ليس وليد العصر، وأن الاجتهاد الخاطئ مذموم في أي عصر كان .
وانتقل بعد ذلك للحديث عن مدى التزام المفتي بالفتاوى الرسمية ،فتكلم عن مفهوم وتاريخ الفتاوى الرسمية ،ثم عرض
أقوال القائلين بإلزامية الفتاوى الرسمية للمفتي والمعارضين لها وخلص إلى أن الفتاوى الرسمية غير ملزمة للمفتي الذي تتوافر
فيه شروط الفتيا والاجتهاد .
وفي الفصل الثالث من هذا الباب تكلم عن المجال السياسي وتناول فيه الولاية السياسية الكبرى حقيقتها ومفهومها
ومقاصدها ،وأهل الحل والعقد ،ووظيفتهم السياسية ،وطرق ووسائل نصيحة الحكام وحكمها مع ذكر لبعض النماذج
العملية للسلف والخلف في هذا المجال وأنهى هذا الفصل بالحديث حول المعارضة السياسية ومفهومها في الأنظمة
الديمقراطية ،ومدى مشروعية تكوين الأحزاب االسياسية، والتعددية الحزبية في نظام الحكم الإسلامي ،والمعارضة السياسية . وفي معرض حديثه عن أهل الحل والعقد تناول الألفاظ ذات الصلة بمصطلح أهل الحل والعقد ومنها : أولو الأمر ،أهل
الاختيار ،أهل الشورى ،أهل الاجتهاد ،أهل الشوكة .
وفي الفصل الرابع كان الكلام حول ضمانات التعبير عن الرأي في الشريعة الإسلامية حيث تحدث عن إناطة تصرفات
الحاكم بمصلحة الأمة ودار الكلام حول قاعدة ( التصرف في الرعية منوط المصلحة ) وأثر هذه القاعدة في ضمان حرية
التعبير عن الرأي كما تكلم في هذا الفصل عن العدل ومكانته والأدلة على اعتباره في الشريعة الإسلامية ،وأثر تطبيق مبدأ
العدل في ضمان حرية التعبير عن الرأي ،وتكلم في نهاية هذا الفصل عن الرقابة والمحاسبة لأعوان الحاكم والأساس الشرعي
لهذه الرقابة في والمحاسبة ،وأثر هذه المراقبة في ضمان حرية التعبير عن الرأي .
وختم الكتاب بخلاصة
تضمنت نتائج البحث ،وقعت في سبع وخمسين نتيجة،أهمها :
1ـ عناية الإسلام
الكبرى بحقوق الإنسان علة سبيل العموم ،والتعبير عن الرأي على سبيل الخصوص .
2ـ الرأي الصادر عن
الإنسان منه ،ما هو مشروع ومنه ما هو غير مشروع ،ويدخل تحت الأحكام التكليفية
الخمسة .
3ـ التعبير عن الرأي المشروع يستند إلى ضوابط وشروط وأصول شرعية تهذبه وتسوغه .
4ـ مراعاة مآل الأفعال
معتبرة في الشريعة بوجه عام،وفي التعبير عن الرأي بوجه خاص .
5ـ توظيف الوسائل
العادية للتعبير عن الرأي المشروع أمر سائغ بشرط أن تكون هذه الوسائل مشروعية
ذاتها .
6ـ طاعة ولاة الأمر
واجبة في غير معصية الله تعالى .
7ـ الرد على أصحاب الآراء الغير مشروعة واجبة
على من لديه الأهلية، وبشروط وآداب معتبرة مرعية.
8ـ جاءت الشريعة الإسلامية بجملة من العقوبات والزواجر لمجابهة أصحاب الآراء المشروعة ،منها ما هو تعزيري ومنها ما
هو من قبيل
الحدود .
9ـ الديمقراطية لها جانب تأباه الشريعة الإسلامية ،وهو الذي يتضمن جعل السياق وحق التشريع للشعب ،وجانب تقره
الشريعة وتحض عليه وهو تمكين الأمة من تولية حكامها والرقابة عليهم وعزلهم عند الاقتضاء.
10ـ أن الأصل في مناصحة
الحكام السرية ،إلا إذا كان في إعلان النصيحة مصلحة راجحة فيسوغ إعلانها حينئذ .
11ـ أن جميع تصرفات الحاكم منوطة بمصلحة الأمة ،ولذلك أثر كبير في ضمان حرية التعبير عن
الرأي.
وقد وقع الكتاب في ( 496 ) صفحة من القطع المتوسط ،نال مؤلفه عليه درجة الدكتوراه من كلية الشريعة والدراسات
الإسلامية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة .
ولعلني أختم القول بأن هذا الكتاب فريد في بابه ،جديد في طرحه، متميز في عرضه ،جدير أن تحتويه مكتبة كل مهتم
بالفقه الإسلامي وقضاياه المعاصرة .
وصلى
الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبة أجمعين .