أ. عباس بن محمد . 28 أكتوبر, 2024, 22:59:13
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد:
فإن معرفة حقيقة التوحيد الذي جاءت به الرسل من أعظم
الواجبات وأهم الأصول التي يجب ضبطها والعناية بها، والخلل والخطأ في معرفة حقيقة
هذا التوحيد يؤدي إلى نتائج وآثار في غاية الخطورة في الاعتقاد والعمل، «فإن من
تصور أي شيء على ما هو عليه في الخارج وعرف ماهيته بأوصافه الخاصة= عرف حقيقته
وحقيقة ما يناقضه؛ وإنما يقع الخفاء والضلال باللبس بين الحقائق وعدم تصورها
تصورًا صحيحًا، وكم هلك بسبب عدم معرفة الحدود والحقائق من أمة وكم وقع بذلك من
غلط وريب وغمة»([1]).
ومن الأمور التي لها تعلق شديد بمعرفة حقيقة التوحيد
الذي جاءت به الرسل، ومعرفة ما يناقضه من الشرك، وفي نفس الوقت هي شبهة وفرية ذاع
أخذها على شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- من قبل خصومه -ومن قبل بعض الحنابلة
الجدد وغيرهم- وراجت للأسف على كثيرين من أتباع منهج السلف ومعظمي شيخ الإسلام= ما
بينه شيخ الإسلام -رحمه الله- وقرره كثيرًا في كتبه ورسائله من أن توحيد المتكلمين
الأشاعرة يرجع إلى الربوبية. فقال هؤلاء المعترضون والمخالفون: إن هذا كلام أحدٍ
لم يقرأ شيئًا في كتب القوم، فإن نصوص أئمتهم في وجوب صرف العبادة لله -عز وجل- وأنه
لا معبود بحق إلا الله كثيرة لا تحصى.
لأجل هذا كله = كانت هذه الورقات أبين فيها حقيقة هذه
المقولة وتعلقها بأصل التوحيد، ووجه كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- وكشف مراده في
ذلك؛ إحقاقًا للحق، ودفعًا لمقالة السوء والبغي بالباطل على إمام من أئمة الهدى
والعدل. وحتى لا يكون مثل ذلك مأخذًا ومطعنًا لهؤلاء في شيخ الإسلام -رحمه الله-
ودعوته ومن تبعه في ذلك من أهل السنة.
والله أسأل أن يسدد القلم واللسان، ويعصمنا من الزلل
والخطأ والعي والبهتان. اللهم آمين.
أولًا:
بعض نصوص شيخ الإسلام -رحمه الله- التي هي محل نقد هؤلاء.
1- قوله في الدرء: «أهل الكلام الذي ظنوا أن التوحيد هو مجرد
توحيد الربوبية، فهو التصديق بأن الله وحده خالق الأشياء، اعتقدوا أن الإله بمعنى الآلِه
-اسم فاعل- وأن الإلهية هي القدرة على الاختراع، كما يقول الأشعري وغيره، ممن يجعلون
أخص وصف الإله القدرة على الاختراع...
والمقصود هنا: التنبيه على هذه الأمور، وأن هؤلاء غلطوا في
معرفة حقيقة التوحيد، وفي الطرق التي بينها القرآن، فظنوا أنه مجرد اعتقاد أن العالم
له صانع واحد... فلا ريب أنه من التوحيد الواجب، وهو الإقرار بأن خالق العالم واحد،
لكنه هو بعض الواجب وليس هو الواجب الذي به يخرج الإنسان من الإشراك إلى التوحيد، بل المشركون الذي سماهم الله ورسوله مشركين، وأخبر
الرسل أن الله لا يغفر لهم، كانوا مقرين بأن خالق كل شيء. فهذا أصل عظيم يجب على كل
أحد أن يعرفه، فإنه به يعرف التوحيد، الذي هو رأس الدين وأصله. وهؤلاء قصروا في معرفة
التوحيد، ثم أخذوا يثبتون ذلك بأدلة، وهي وإن كانت صحيحة، فلم تنازع في هذا التوحيد
أمة من الأمم، وليس الطرق المذكورة في القرآن هي طرقهم، كما أنه ليس مقصود القرآن هو
مجرد ما عرفوه من التوحيد»([2]).
2- قوله في اقتضاء الصراط المستقيم: «وطائفة ظنوا أن التوحيد
ليس إلا الإقرار بتوحيد الربوبية، وأن الله خلق كل شيء، وهو الذي يسمونه توحيد الأفعال.
ومن أهل الكلام من أطال نظره في تقرير هذا التوحيد... ويظن أنه بذلك قرر الوحدانية
وأثبت أنه لا إله إلا هو، وأن الإلهية هي: القدرة على الاختراع أو نحو ذلك، فإذا ثبت
أنه لا يقدر على الاختراع إلا الله، وأنه لا شريك له في الخلق، كان هذا معنى قولنا:
(لا إله إلا الله) ولم يعلم أن مشركي العرب كانوا مقرين بهذا التوحيد، كما قال تعالى
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} [لقمان: 25]..»([3]).
3- وقال في التدمرية: «قد أخبر سبحانه عن المشركين من
إقرارهم بأن الله خالق المخلوقات ما بينه في كتابه... وبهذا وغيره يعرف ما وقع من
الغلط في مسمى التوحيد؛ فإن عامة المتكلمين الذين يقررون التوحيد في كتب الكلام
والنظر غايتهم أن يجعلوا التوحيد ثلاثة أنواع؛ فيقولون: (هو واحد في ذاته لا قسيم
له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له)، وأشهر الأنواع
الثلاثة عندهم هو الثالث -وهو توحيد الأفعال، وهو أن خالق العالم واحد-... ويظنون
أن هذا هو التوحيد المطلوب، وأن هذا هو معنى قولنا: (لا إله إلا الله) حتى قد
يجعلوا معنى الإلهية القدرة على الاختراع، ومعلوم أن المشركين من العرب الذين بعث
إليهم محمد -صلى الله عليه وسلم- أوّلًا، لم يكونوا يخالفونه في هذا، بل كانوا يقرُّون
بأن الله خالق كل شيء حتى إنهم كانوا يقرون بالقدَر أيضًا وهم مع هذا مشركون»([4]).
ثانيًا:
توثيق كلام شيخ الإسلام من كتب القوم.
1- قال ابن فورك: «وفسر الإلهية -يعني أبا الحسن الأشعري-
بأنها هي قدرته على اختراع الجواهر والأعراض وذكر أن ذلك أسد الأقاويل في معنى الإله»([5]).
2- وقال عبد القاهر البغدادي: «واختلف أصحابنا في معنى الإله؛
فمنهم من قال: إنه مشتق من الإلهية وهي قدرته على اختراع الأعيان، وهو اختيار أبي الحسن
الأشعري»([6]).
3- وقال الفخر الرازي: «قال أهل السنة: كلامكم مبني على أن
لفظ «الله» معناه المستحق للعبادة. وهذا باطل؛ ويدل عليه وجهان... [ثم ذكرهما،
وقال:] إذا ثبت هذا، فنقول: الإله هو القادر على الاختراع. والدليل عليه: أنه تعالى
إنما ظهر الامتياز بينه وبين سائر الذوات بصفته الخلاقية؛ فقال: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ
كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} [النحل: 17]؟! ولما كان المذكور في معرض الامتياز هو هذه الصفة،
علمنا: أن معنى الإلهية ليس إلا الخلاقية»([7])؛
وقال بنحوه في التفسير وأكد بأن الخالقية صفة مميزة لذات الله تعالى عن سائر الذوات
وأن خاصية الإلهية هي القدرة على الاختراع([8])
وقد صرح بمثله الشهرستاني([9])
وأبو بكر ابن العربي([10])
والبيهقي([11])
والقشيري([12]).
والأمثلة على ذلك من كتب القوم كثيرة جدًّا، ولم نطل
البحث بسردها خشية الإملال؛ وهي جميعا دالة على صدق ما ذكره شيخ الإسلام عنهم؛ في
التوحيد وتفسيرهم الإلهية وكلمة التوحيد بالربوبية والخالقية.
ثالثًا:
بيان مراد شيخ الإسلام رحمه الله.
أ- بداية وقبل الدخول
في بيان مراد شيخ الإسلام -رحمه الله- فإن الذي ينبغي أن نقف عنده ابتداءً هو هذا الفهم
العجيب الذي فهمه هؤلاء لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فقد ظنوا أن كلام
شيخ الإسلام السابق يساوي في المعنى أنه يقول: إن هؤلاء المتكلمين/الأشاعرة يقولون:
يجوز عبادة غير الله، وأن صرف العبادة لغير الله ليس من الشرك!!
وبناء على هذا الفهم العجيب الغريب استطالوا على شيخ
الإسلام واتهموه وأتباعه بالتجني والكذب على الأشعرية، ومن ثمَّ يرصّون أمامك كلام
أئمتهم في أنه لا يجوز صرف العبادة لغير الله وأنه لا معبود بحق إلا الله!
وهذا والله من الفهم والحمل العجيب لكلام شيخ الإسلام رحمه
الله -وهو من هو علمًا وفقهًا وعقلًا وإنصافًا-؛ إذ كيف يَظنُّ عاقلٌ أن شيخ الإسلام
ابن تيمية ¬ يريد من كلامه هذا المعنى؛ فإن هذا القول الذي فهموه من كلام شيخ
الإسلام -من تجويز عبادة غير الله- يكفر به معتقده وقائله فهو قول واعتقاد مناقض
لأصل الدين، فكيف يحمل كلام شيخ الإسلام فيهم على مثل ذلك؟!
فكان الواجب عليهم استصحاب هذا الأصل البدهي، قبل الخوض في
الشيخ -رحمه الله- والتشنيع عليه هو وأتباعه بمثل ذلك.
ب- إذًا؛ فما هو مراد شيخ الإسلام من ذلك؟
شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كلامه هذا عن
الأشاعرة والمتكلمين يبيِّن أصلًا فاسدًا من الأصول التي قال بها مبتدعة المتكلمة
ترتب عليه -كما سنبين إن شاء الله- خللٌ شديد وكبير ولوازم فاسدة كثيرة في توحيد
العبادة، وهو: جعل معنى (الإله) هو (الرب)، وما ترتب على ذلك من جعل غاية دعوة
التوحيد التي جاءت بها الرسل -(لا إله إلا الله)- معناها: أنه لا خالق ولا مؤثر إلا
الله -عز وجل- وهذا بلا شك كلام باطل مخالف لنصوص الوحيين، فإن توحيد الربوبية -من
إفراد الله بالخلق والتدبير وغير ذلك- مما يقره عامة الأمم ولم ينكره إلا شذاذ
معدودون مكابرون؛ فكُفر قريش -وغيرهم- لم يكن في جحد الخالقية والربوبية، وإنما
كان بصرف العبادة لغير الله، وجعل الشركاء مع الله في ذلك حتى ولو كان على سبيل
الوساطة والتقرب إلى الله. وكلام شيخ الإسلام واضح في بيان ذلك -أعد فقط قراءة كلامه
السابق الآن وسيتضح لك المراد-.
الأمر الآخر في فهم مراد شيخ الإسلام -وهو رحمه الله قد
أشار لذلك([13])-
أن هؤلاء الأشاعرة يعرِّفون التوحيد بأنه (واحد في ذاته، واحد في صفاته، واحد في
أفعاله) وهي كلها راجعة للربوبية.
قال الشهرستاني: «القاعدة الثالثة في التوحيد -وفيها الرد
على الثنوية- وتستدعي هذه المسألة سبق ذكر الوحدانية ومعنى الواحد. قال أصحابنا: الواحد
هو الشي ء الذي لا يصح انقسامه؛ إذ لا تقبل ذاته القسمة بوجه ولا تقبل الشركة بوجه
فالباري تعالى واحد في ذاته لا قسم له وواحد في صفاته لا شبيه له وواحد في أفعاله لا
شريك له»([14]).
وقال أبو المعالي الجويني -تحت عنوان: باب العلم
بالوحدانية-: «الباري -سبحانه وتعالى- واحد، والواحد في اصطلاح الأصوليين: الشيء الذي
لا ينقسم، ولو قيل الواحد هو الشيء لوقع الاكتفاء بذلك. والرب -سبحانه وتعالى- موجود
فرد، متقدس عن قبول التبعيض والانقسام. وقد يراد بتسميته واحدًا أنه لا مثل له ولا
نظير. ويترتب على اعتقاد حقيقة الوحدانية إيضاح الدليل على أن الإله ليس بمؤلف؛ إذ
لو كان كذلك -تعالى الله عنه وتقدس- لكان كل بعضٍ قائمًا بنفسه عالمًا حيًّا قادرًا،
وذلك تصريح بإثبات إلهين»([15]).
فأنت ترى هنا بجلاء أن التوحيد عند القوم منصب على
الربوبية والصفات، ولا ذكر لتوحيد العبادة الذي هو لب التوحيد وأساس دعوة الرسل.
رابعًا:
بيان اللوازم والآثار السيئة المترتبة على هذا الأصل الفاسد.
1- أن الفناء في الربوبية هو غاية التوحيد الذي جاءت به
الرسل، كما يقوله من يقوله من غلاة الصوفية؛ فهؤلاء ظنوا أن توحيد الربوبية هو الغاية،
والفناء فيه هو النهاية؛ فآل بهم الأمر إلى تعطيل الأمر والنهي، والوعد والوعيد، ولم
يفرقوا بين مشيئته الشاملة لجميع المخلوقات، وبين محبته ورضاه المختص بالطاعات، والإرادة
الكونية والإرادة الشرعية([16]).
2- أن إفراد الله بصفات الربوبية هو المقصود الأعظم الذي جاءت به
ودعت إليه الرسل.
وهذا ما صرح به المتكلمون الذي نحو هذا النحو في
التوحيد؛ يقول الكمال بن أبي شريف: «لما كان التوحيد هو اعتقاد الوحدانية في الذات
والصفات والأفعال، وما تقدم من الوجود والقدم -وسائر ما عقد له الأصول السابقة- أوصاف
للباري -سبحانه وتعالى- كل منها من متعلقات التوحيد اقتضى ذلك تقديمها ليعلم ما توحدت
به ذاته تعالى عن سائر الذوات من الأزلية والأبدية والتعالي عن الجسمية والجوهرية والعرضية.»([17]).
3- الإرجاء وإخراج العمل من مسمى الإيمان؛ ومن ثم قصْرُ
الكفر على التكذيب والاستحلال.
فمن المقرر عند المتكلمين أن الكفر لا يكون إلا
بالاعتقاد القلبي وبالتكذيب والاستحلال الصريح وأنه لا يحصل بمجرد العمل والقول؛ قال
البغدادي: «قال أبو الحسن الأشعري: إن الإيمان هو التصديق لله ولرسله -صلى الله
عليهم وسلم- في أخبارهم، ولا يكون هذا التصديق إلا بمعرفته. والكفر عنده هو
التكذيب.. [ثم قال: مبينًا ما ترتب على هذا الأصل] المسألة العاشرة من هذا الأصل
في بيان الأفعال الدالة على الكفر: قال أصحابنا: إن أكل الخنزير من غير ضرورة ولا
خوف، وإظهار زي الكفرة في بلاد المسلمين من غير إكراه عليه، والسجود للشمس أو
الصنم، وما جرى مجرى ذلك = من علامات الكفر، وإن لم يكن في نفسه كفرًا، إذا لم
يضامَّه عقد القلب على الكفر. ومن فعل شيئًا من ذلك أجرينا عليه حكم الكفر وإن لم
نعلم كفره باطنًا»([18]).
وهذا القول باجتماع الإيمان الباطن المنجي يوم القيامة،
مع هذه الأفعال الكفرية الظاهرة -من غير إكراه أو عذر- بناء على أن الإيمان هو
التصديق فقط = هو أفسد قول قيل في الإيمان، وقد كفر السلف -رحمهم الله- القائلين
به([19]).
قال ابن حزم رحمه الله: «وأما الأشعرية فقالوا: إنَّ شتم
من أظهر الإسلام لله تعالى ولرسوله بأفحش ما يكون من الشتم، وإعلان التكذيب بهما باللسان
بلا تقية ولا حكاية، والإقرار بأنه يدين بذلك، ليس شيء من ذلك كفرًا، ثم خشوا مبادرة
جميع أهل الإسلام لهم فقالوا: لكنه دليل على أن في قلبه كفرًا. فقلنا لهم: وتقطعون
بصحة ما دل عليه هذا الدليل؟ فقالوا: لا. وقالت الأشعرية: إن إبليس قد كفر ثم أعلن
بعصيان الله تعالى في السجود لآدم عليه السلام»([20]).
4- أن العمل لا يكون عبادة -ومن ثم لا يكون صرفه لغير
الله شركًا- ما لم يكن عن اعتقاد ربوبيةٍ وتأثيرٍ واستقلال.
وقد مضى في النقطة السابقة كلام البغدادي وابن حجر
الهيتمي، في أن السجود للصنم لا يكون كفرًا في الآخرة عند الله -عز وجل- ما لم يكن
عن اعتقاد ربوبية وتعظيم، وإن أجري عليه أحكام الكفر في الدنيا!! والنصوص في هذا
كثيرة ومن باب التأكيد أورد هنا ثلاثة من نصوص مراجعهم وأكتفي بالإحالة على الباقي
خشية الإملال.
قال القضاعي في تعريفه للعبادة: «الإتيان بأقصى غاية
الخضوع قلبًا باعتقاد ربوبية المخضوع له أو قالبًا مع ذلك الاعتقاد، فإن انتفى ذلك
الاعتقاد لم يكن ما أتى به من الخضوع الظاهري من العبادة شركًا في كثير ولا قليل،
مهما كان المأتى به ولو سجودًا»([21]).
وقال ابن عفالق: «اجتمعت الأمة على أن الذبح والنذر لغير
الله حرام، ومن فعلها فهو عاص لله ورسوله، والذي منع العلماء من تكفيرهم أنهم لم
يفعلوا ذلك باعتقاد أنها أنداد لله»([22]).
وقال محمود حسن ربيع الأزهري: «إن استعانتك بالأولياء الذين
تعتقد أن لهم حياة وتصرفًا بأقدار اللّه ليس شركًا، وأن الشرك لو اعتقدت فيهم ربوبيةً...
ومن قال: يا رسول اللّه أريد أن تردّ عليَّ عيني، أو ترفع عنا الجدب، أو يزول عنا المرض،
وهو من المؤمنين كان ذلك دليلًا على أنه يطلب من اللّه»([23])،
وبمثله صرح أحمد بن علي القباني البصري([24])
ومحمد عبد المجيد([25])
وزيني دحلان([26])
والنبهاني ([27])
ومحمد علوي مالكي([28]).
وهذا في الحقيقة عين كلام الرافضة ومنه سرى وانتشر الشرك
فيهم.
فيقول الرافضي محسن الأمين العاملي: «لو قال في دعائه
واستغاثته بغير الله: «الدعاء والاستغاثة بغير الله يكون على وجوه ثلاثة؛ الأول: أن
يهتف باسمه مجردًا مثل أن يقول: يا محمد يا علي يا عبد القادر يا أولياء الله يا أهل
البيت ونحو ذلك. الثاني: أن يقول يا فلان كن شفيعي إلى الله في قضاء حاجتي أو ادع الله
أن يقضيها أو ما شابه ذلك. الثالث: أن يقول: اقض ديني أو اشف مريضي أو انصرني على عدوي
وغير ذلك. وليس في شيء من هذه الوجوه الثلاثة مانع ولا محذور فضلًا عما يوجب الاشراك
والتكفير؛ لأن المقصود منها طلب الشفاعة وسؤال الدعاء سواء صرح بذلك كما في الوجه الثاني
أو لا كما في الوجهين الباقيين للعلم بحال المسلم الموحد المعتقد إن من عدا الله تعالى
لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا ضرًّا، فبسبب ذلك نعلم أنه لم يقصد سوى طلب الشفاعة
والدعاء، ولو فرض أننا جهلنا قصده لوجب حمله على ذلك سواء صدر من عارف أو عامي لوجوب
حمل أفعال المسلمين وأقوالهم على الصحة مهما أمكن»([29])،
وصرح بمثله الخميني([30]).
وقد أكد شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن تعظيم
القبور وعبادتها هو من ثمار هذا الأصل الفاسد في غير ما موضع([31]).
5- خلو كتب الاعتقاد والتوحيد عندهم من الكلام على توحيد
العبادة والتحذير من الشرك فيها.
فعلى الرغم من انتشار الشرك وذرائعه في هذا الباب إلا أن
كتبهم لا وجود فيها للتحذير منه، ولما بيناه من أنه أصل دعوة الرسل..إلخ. ولا
يقولن قائل: «إن كتب سلفكم خالية من ذلك أيضًا»؛ لأن هذا ليس بوارد علينا؛ فإن كتب
السلف كانت في أبواب معينة -كالصفات والقدر- دعت الحاجة للكتابة فيها؛ لأن أهل
الأهواء والفرق كانت فتنتهم في هذه الأبواب. ونحن لن نحاكمكم لكتب سلفكم ولكن
نحاكمكم لكتب المتأخرين منكم الشاملة لأبواب الاعتقاد والدين، أين هي من الكلام
على توحيد الألوهية والاهتمام به وبيان الشرك الواقع فيه وغير ذلك؟!
وفي النهاية: هذه كانت بعض اللوازم والآثار الفاسدة المترتبة
على هذا الأصل الفاسد، وأيضًا -من باب العدل والإنصاف- لا يلزم أن يلتزم القائل
بهذا الأصل كل هذه اللوازم، فكثير منهم مثلًا لم يلتزموا بانحصار الكفر في قول
القلب، وصرحوا بوجود الكفر العملي -كرمي المصحف في القاذورات، وسب الله ورسوله-
وإن كان من تأمل كلامهم يجد ذلك عندهم لدلالته على انخرام الباطن، فعاد إلى القول
بأن الإيمان هو التصديق والكفر هو التكذيب. فمثلًا القرافي -رحمه الله- لما عرف
الكفر بأنه: «أصل الكفر اهتضام جانب الربوبية» قال بعد ذلك: «الكفر قسمان؛ متفق عليه
ومختلف فيه هل هو كفر أم لا؟ فالمتفق عليه: نحو الشرك بالله وجحد ما علم من الدين بالضرورة
كجحد وجوب الصلاة والصوم ونحوهما. والكفر الفعلي: نحو إلقاء المصحف في القاذورات..»([32]).
فهم ليسوا على درجة واحدة في التزام لوازم الأصل
والتماهي معه. وهذا أمر يتأتى مع كل أصل فاسد له لوازم فاسدة، فإن هناك من يسير مع
لوازمه للنهاية، ومنهم من يحجم عن بعض أو كثير من ذلك، فمثلًا عقيدة الكسب/الجبر
عند الأشعري وأنه لا فاعل حقيقة إلا الله، هي من أصول عقيدة وحدة الوجود، وإن كان
جماهير الأشاعرة لا يلتزمون ولا يقولون بذلك، بل كثير منهم كفر القائل بذلك.
وكذلك بعض الأشاعرة أدخل توحيد الإلهية ضمن أقسام
التوحيد؛ فالبيجوري مثلًا عرف التوحيد بقوله: «وهو إفراد المعبود بالعبادة مع
اعتقاد وحدته والتصديق بها ذاتًا وصفات وأفعالا» ([33])
وإن كان هذا في الحقيقة يستدعي سؤالًا ملحًّا: وهو:
إذا كنتم قائلين
بتوحيد الألوهية فلماذا هذه الهجمة الشرسة على ابن تيمية وابن عبد الوهاب -رحمهما
الله- وأن هذا التوحيد من ابتداع ابن تيمية، وأن هذا التقسيم تقسيم بدعي...إلخ؟!
-ولاحظ هنا البيجوري جعل التوحيد أربعة أقسام منها توحيد الألوهية، وكبار أئمتهم
والمعتمد عندهم أن التوحيد ثلاثة أقسام أيضًا توحيد الذات والصفات والفعل- عجيب
والله هذا الأمر.
الغرض المقصود: أن عدم التزام البعض بلازم قوله لا يعني
التهوين والتغافل عن الأصل الباطل وبيان فساده وخطورته.
ومن ثم: فلا يأتي معترض علينا ويقول: لكن الإمام (الأشعري
أو الصوفي..) الفلاني ينكر هذا ويرد على من يفعل هذا الذي ترمونهم به، فإن هذا في
الحقيقة ليس بمطعن لما بيناه من أنه لا يلزم أن يلتزم كل منسوب لطائفة ما بنوع
نسبة كل ما نسب إليهم أو كل لازم يلزمهم، ولكن يبقى في النهاية الحكم على الأغلب،
أو في رد الأصول الفاسدة التي انبنى عليها المذهب، وبيان لوازمها الفاسدة التي
تبين فسادها وأخذ بها بعض من تأثر بهم أو انتمى إليهم.
هذا؛ والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم.
([1]) منهاج التأسيس والتقديس (ص 12) نقلًا عن حقيقة التوحيد
بين أهل السنة والمتكلمين، لعياض السلمي (ص 5) وهو من الكتب التي أفدت منها في هذا
البحث خاصة فيما ذكرته عن نقول عن المخالفين، وكذا كتاب دعاوى المناوئين لدعوة
الشيخ محمد بن عبد الوهاب للشيخ عبد العزيز عبد اللطيف.
([6]) أصول الدين، ط دار الكتب العلمية، تحقيق أحمد شمس
الدين (ص: 145)، وانظر كذلك: نهاية العقول، للفخر الرازي (2/ 479).
([13]) انظر: التدمرية، ط العبيكان، تحقيق الدكتور السعوي (ص: 180-181)، وهي في مجموع الفتاوى
(3/ 97- 98) وقد مر معنا قبل قليل هذا النقل عن شيخ الإسلام رحمه الله.
farmacie online sicure cialis generico best way to buy cialis online cialis 100mg online cialis tadalafil cheapest online can order cialis online
http://slkjfdf.net/ - Ezufecwev <a href="http://slkjfdf.net/">Aguasic</a> avj.vkng.taseel-edu.com.xbm.dm http://slkjfdf.net/