وحدة الأديان في تأصيلات التصوف وتقريرات المتصوفة دراسة تحليلية( الجزء الثاني ) - د. لطف الله خوجه

المبحث الثاني: تقريرات المتصوفة لفكرة وحدة الأديان.

تمهيد

تلك هي القضايا الرئيسة التي ولدت فكرة وحدة الأديان، وكانت ركائز لها، ولم تظهر عند الأولين بوضوح، لكنها عند المتأخرين تبلورت وقامت على أنقاض التدين بدين واحد.

وقد لاحظنا أن تلك القضايا صدرت وانطلقت منذ العهد الأول للصوفية، وبذلك نعلم أن هذه الفكرة كانت لها نوع قبول عند الصوفية، تمثل شيء من ذلك، في إقبالهم على التعلم، وأخذ مباديء ومفاهيم: المعرفة، والمحبة، والمجاهدة من الرهبان. من: نصارى، وبوذيين، ومجوس، وغيرهم. [1]

وقد وصلنا نص عن الصوفي العريق البسطامي يؤيد هذا، وهو الذي اشتهر بالصراحة، كما اشتهر الشبلي والحلاج دون غيرهم، ممن آثروا الكتمان طلبا للسلامة .

-        فقد اجتاز مقبرة لليهود فقال: "معذورون". ثم اجتاز مقبرة للمسلمين، فقال: "مغرورون". ثم قال يخاطب الله تعالى: "ما هؤلاء حتى تعذبهم، حطام جرت عليهم القضايا اعف عنهم".[2]

فهذه القصة تحمل في طياتها من معاني الوحدة، فقد اعتذر لليهود وهم كفار، وهذا ما سوف نراه من كلام ابن عربي ومن وافقه، من الاعتذار لكل من عبد غير الله تعالى، أنهم ما عبدوا غيره إلا لظنهم الألوهية في تلك المعبودات.

ثم وصف المسلمين بالغرور، وهكذا قال ابن عربي وغيره؛ كونهم (= المسلمين) قصروا عبادتهم على الواحد سبحانه، ولم يعبدوه في كل شيء، ثم ظنوا أنهم على حق وغيرهم على باطل، وهذا هو سبب غرورهم.

ثم علل موقفه هذا، بأن هؤلاء الكفار مجبورون بما كتب عليهم، فهو يطلب العفو لهم. في هذا يخالفه من بعده كابن عربي، فابن عربي وغيره لا يطلبون العفو للكفار؛ لأنهم بنظرهم غير عاصين، حيث داروا مع القضاء الكوني، فالرحمة تعمهم وتشملهم كما تشمل المؤمنين.

هذا نوع تطور حصل في هذه الفكرة، من جهة الظهور والتقرير، لا من جهة النشوء والابتداء، فنص أبي يزيد لا يدل على أنه يؤمن إيمانا عميقا بوحدة الأديان، ولذا يجادل ربه في اليهود ويطلب لهم العفو.

فهو إذن يعلم أن ثمة فرقا بين المسلمين والكافرين، لكنه مع ذلك يكره هذا الفرق، ويراه باطلا يجب أن يزول، ومن هنا يعاتب ربه في الكفار، ويطلب العفو عنهم.

لكن هذا الموقف من أبي يزيد المتردد، بين قناعته القاضية بعدم التفريق ببن الأديان، وبين معرفته بأن الله فرق بينها، لا يلبث أن يزول عند المتأخرين، ويصبح الأمر واحدا.

فالمتأخرون كان لهم دور بارز جدا في تقرير الفكرة والتدليل لها، وإذا كانت بعض الأفكار الصوفية الخطيرة، كمفهوم الولاية والوحدة في الوجود، قد ظهرت وتقررت منذ القرون الأولى بوضوح، فالوحدة في الأديان لم تكن كذلك.

بل الواضح منها تلك القواعد التي تقررها وتقوم عليها، أما القول بأن الدين واحد، والناس جميعهم عابدون لله تعالى، مهما اختلفت معبوداتهم، فهذا غير مشهور – في حدود بحثي - كما هو في الولاية والوحدة، إلا من نص هنا، أو هناك، كمثل ما ورد عن الحلاج:

يروي عبد الله بن طاهر الأزدي قال: "كنت أخاصم يهوديا في سوق بغداد، وجرى على لفظي أن قلت له: يا كلب!. فمرّ بي الحسين بن منصور، وانظر إلي شزرا، وقال: لاتنبح كلبك. وقال: يا بني!، الأديان كلها لله، شغل بكل دين طائفة، لا اختيارا فيهم، بل اختيارا عليهم، فمن لام أحدا ببطلان ما هو عليه، فقد حكم أنه اختار ذلك لنفسه، وهذا مذهب القدرية، والقدرية مجوس هذه الأمة[3]. واعلم أن اليهودية، والنصرانية، والإسلام وغير ذلك من الأديان، هي ألقاب مختلفة، وأسام متغايرة، والمقصود منها لا يتغير، ولايختلف، ثم قال:

تفكرت في الأديان جدا محققا             فألفيتها أصلا له شعب جما

فلا تطلبن للمرء دينا فإنــه          يصد عن الوصل الوثيق وإنما

يطالبه أصل يعبــر عنـده             جمي المعالي والمعاني فيفهما".[4]

واعتقاد الحلاج بوحدة الأديان ليس غريبا ولا بعيدا؛ إذ هي من لوازم الاعتقاد بوحدة الوجود، كما تقدم.

جاء في مقدمة شرح ديوان الحلاج للدكتور كامل الشيبي، رواية يرويها قس سرياني عراقي مقيم في باريس، يدعي دهان الموصلي. يقول هذا القس: "إن المستشرق لويس ماسنيون كلفه في ربيع 1953 بإقامة قداس خاص على روح الحسين بن منصور الحلاج، في البيعة التي يشرف عليها في العاصمة الفرنسية، يوم ذكرى وفاته. ويذكر الموصلي أنه دهش لطلبه، وذكّره بأن الحلاج مسلم. فقال ماسنيون: الحلاج رجل روحاني، وإن فوارق الأديان لا يحسب لها حساب في حالته"[5].

ولعل سبب قلة عناية المتصوفة - المتقدمين المتحققين - بفكرة وحدة الأديان، أن فكرة الولاية لها مستند شرعي، والوحدة في الوجود تشتبه بالوحدة في الشهود، فأمكن التصريح بهما، أما القول بأن الدين واحد، والكل عابد لله تعالى، مهما عبد، فهو من الباطل الظاهر من كل وجه، وليس عليه دليل، ولو على سبيل الشبهة.

فكان أن اكتفى - من كان له عناية وقصد - بالتنصيص على أصول الفكرة وذرائعها، من: ربوبية، وجبر، ورضا، وحب أزلي. فإذا أتى من بعدهم، استعانوا بها على تأصيل الفكرة، المنسجمة مع المبدأ الصوفي؛ كونه يقبل بوحدة الوجود، وهذا ما حصل.

لذا سندرس هذا الفكرة كيف تبلورت وظهرت عند المتأخرين من خلال الأفكار التالية:

1-            المعبود الواحد.

2-            التدين بكل دين.

3-            مآل الكل إلى الإيمان والنعيم.

 

*      *      *

 

 

 

طرق تقرير فكرة وحدة الأديان

لم يكن الصوفية وهم يقررون هذه الفكرة، وكثيرا من أفكارهم، يخاطبون عقلا سويا، بل كانوا مغربين جدا، فمن البداهة أن يكتشف المرء خطأهم؛ فقد ساووا بين الخير والشر، والإيمان والكفر، والليل والنهار .. ساووا بين النقيضين؛ الذين لا يجتمعان ولا يرتفعان.

فقد ذهبوا إلى استصواب آراء جميع الناس في اعتقاداتهم، وخطؤوا من حصر عقيدته في شيء معين وجهلوه، وقد ترتب على ذلك هدم الشرائع السماوية ، وذم الرسالات والرسل، والحكم بالنجاة لإبليس وفرعون، وكل من شهد له بالنار في الآخرة.

فهم يقررون أن المعبود واحد، وأن الكل مآله إلى الإيمان، وأن الكل سينعم في الآخرة، فأهل الجنة نعيمهم في الجنة، وأهل النار نعيمهم في النار.

وإذا درسنا هذه الأفكار سيتبدى لنا مدى تجاوز الصوفية لحدود المعقول، فلننظر إذن.

*      *      *

 1ـ المعبود واحد.

يتخذ الصوفية من فكرتي: التجلي الإلهي في الكون. (= فكرة صوفية خالصة، أثر عن القول بوحدة الوجود). والقضاء الكوني. (= إرادة إلهية). لتقرير: أن المعبود واحد، هو الله تعالى، فمهما عبد الناس، فما عبدوا سوى الله تعالى. يقول ابن عربي:

"ومن ذلك حب الجمال، هو نعت إلهي، ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله جميل يحب الجمال) [6]، فنبهنا بقوله: (جميل) أن نحبه، فانقسمنا في ذلك على قسمين:    

فمنا من نظر إلى جمال الكمال، وهو جمال الحكمة، فأحبه في كل شيء؛ لأن كل شيء محكم، وهو صنعة الحكيم.

ومنا من لم تبلغ مرتبته هذا، وما عنده علم بالجمال إلا هذا الجمال المقيد، الموقوف على الغرض، وهو في الشرع موضع قوله: (اعبدالله كأنك تراه) [7]، فجاء بكاف الصفة، فتخيل هذا الذي لم يصل إلى فهمه أكثر من هذا الجمال المقيد، فقيده به، كما قيده بالقبلة، فأحبه لجماله، ولا حرج عليه في ذلك، فإنه أتى بالمشروع له على قدر وسعه، ولايكلف الله نفسا إلا وسعها".[8]

فجعل من أحب الله في كل شيء، وعبده في كل شيء، رفيع المرتبة في معرفة الله تعالى، ومن أحبه وعبده في ذات واحدة، هي ذات الإله الحق، لا الوجود كله، وجعل قبلته إلى الكعبة وحدها، لا إلى كل وثن وصنم ومعبود: في مرتبة أدنى.. قليل الفهم والعقل.. صاحب وهم وتخييل، لا حقيقة وعلم، لكنه على كل حال معذور فيما فعل، حين جعل إلهه ومعبوده هو الله فحسب، وقيد قبلته بقبلة واحدة فحسب، مادام قد استفرغ جهده وطاقته.

والحقيقة عند ابن عربي والفكر الصوفي: أن كل عابد فما عبد في الحقيقية سوى الله سبحانه؛ لأن يتجلى في كل صورة، أو يحتجب خلف كل صورة..

فمن عرف ذلك فهو من العارفين، وهم أصحاب القسم الأول.

ومن لم يعرف وانحجب بالمحل، ولم يدرك أنه في الحقيقة إنما يحب الله تعالى ويعبده في كل صورة، فهو من العوام أصحاب القسم الثاني.

ويدلل على ذلك: أنه كل عابد ما عبد معبودا، إلا لأنه تخيل فيه الألوهية، ولولا ذلك ما عبده، والله يقول: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} [الإسراء 23]، فيجعل القضاء قضاء كونيا، أي كل عابد فما عبد إلا الله؛ لأن الله هو الذي قضى ذلك وقدره، فلا مفر، يقول:

" فالعالم كله محب ومحبوب، وكل ذلك راجع إليه، كما أنه لم يعبد سواه، فإنه ما عُبد من عُبد، إلا بتخيل الألوهية فيه، ولولاها ما عبد، يقول تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه}".[9]

 

ومثل هذا يقوله معاصره شاعر الفرس جلال الدين الرومي، في كتابه: "كتاب فيه ما فيه":

"وبرغم أن الطرق مختلفة، يظل القصد واحدا... قلوب الجميع متفقة على الكعبة. للقلوب ارتباط وعشق ومحبة عظيمة للكعبة، وليس فيها مجال للاختلاف، وذلك التعلق ليس كفرا ولا إيمانا...هذا يقول لذلك: إنك مبطل، وكافر. وذلك الآخر يرد بالأوصاف نفسها. أقول: بمجرد أن يصلوا إلى الكعبة يغدو معلوما أن ذلك الاحتراب إنما كان في الطرق فحسب، وأن مقصودهم كان واحدا...

ولنعد إلى أصل الحديث: كل الناس في أعماق قلوبهم محبون للحق، وطلاب له، ولديهم حاجة إليه في كل شيء يضعون رجاءهم فيه، ويرون أنه لا أحد غيره قادر ومتصرف في شؤونهم. مثل هذا المعنى ليس كفرا ولا إيمانا. وليس لذلك اسم من الوجهة الباطنية.

أما عندما ينساب ماء المعنى من الباطن نحو ميزاب اللسان ويتجمد، فإنه يستلزم صورة وعبارة؛ وهاهنا يغدو كفرا وإيمانا وخيرا وشرا".[10]

فهي نظرية غير مسبوقة، في تعليل تساوي الناس في الدين والإيمان، إنها من جهة الباطن متساوية غير مختلفة، الاختلاف في الصورالظاهرة فحسب، هناك العداوات والتباغض والبراء والكفر والتكفير، لكن في الباطن فكل ذلك نفي واتحاد.

وقد كان للجيلي دور بارز في ترسيخ هذه الفكرة، في كتابه " الانسان الكامل"، قال:

" الباب الثالث والستون: في سائر الأديان والعبادات ونكتة جميع الأحوال والمقامات. اعلم أن الله تعالى إنما خلق جميع الموجودات لعبادته، فهم مجبولون على ذلك مفطورون عليه من حيث الأصالة، فما في الوجود شيء إلا وهو يعبد الله تعالى، بحاله، ومقاله، وفعاله، بل بذاته وصفاته، فكل شيء في الوجود مطيع لله تعالى ، لقوله تعالى للسموات والأرض: {ائتيا طوعا أو كرها، قالتا أتينا طائعين} [فصلت11]، وليس المراد بالسموات إلا أهلها ولا بالأرض إلا سكانها، وقال تعالى: {وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون} [الذاريات56]".

يستشهد على وحدة الأديان بالآيات القرآنية، ويفسرها بما يتلاءم مع ما يذهب إليه، كما يفعل ابن عربي، بل ويزعم أن الرسول عليه السلام شهد بذلك؛ أي بوحدة الأديان، يقول:

" ثم شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يعبدونه بقوله: ( كل ميسر لما خلق له)[11]؛ لأن الجن والإنس مخلوقون لعبادته، وهم ميسرون لما خلقوا له".

ويمضي ليربط وحدة الأديان بأسماء الله وصفاته، وأن الاختلاف بين الناس في معبوداتهم مردها إلى اختلاف أسماء الله وصفاته:

فالمهتدي عبده باسمه الهادي، والضال عبده باسمه المضل.

فمن اتبع الرسل، فقد عبده من حيث اسمه الهادي. ومن خالف الرسل، عبده من حيث اسمه المضل. ومن هنا اختلف الناس؛ أي بسبب اختلاف أسماء الله وصفاته، وكل طائفة من هؤلاء عبدت ماظنته صوابا، ولو كان خطأ عند غيرها، ولكن الله حسّنه عندها؛ ليعبدوه من حيث صفاته، ويجعل ذلك هو معنى قوله تعالى: {ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها} [هود 56]، فهو الفاعل بهم على حسب ما يريد مراده، وهو عين ما اقتضته صفاته، فكل من في الوجود عابد لله تعالى مطيع له؛ لقوله تعالى: { وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم} [الإسراء 44]، ويجعل التسبيح منه ما يكون مخالفة ومعصية وجحودا، كما أنه يكون طاعة؛ ليبين صحة طريقة المخالفين والكافرين.

ثم إنه شرع في سرد قصة آدم ونزوله من الجنة، وأنه صار نبيا لذريته، فكان يعلمهم ما أمره الله، وكانت له صحف أنزلها الله عليه، فمن تعلم من أولاده قراءة تلك الصحف، آمن بالضرورة لما فيها من البيان، ومن اشتغل بلذاته، أنكر وآل أمره إلى الكفر.

ثم لما توفي افترقت ذريته، فصارت الطائفة المؤمنة إلى أن صورت صنما على صورته، طلبا للقربى إلى الله، وتبعتها طائفة عبدت تلك الصورة نفسها، وهم عبدة الأوثان.

ثم سرد أقسام العبّاد:

منهم من عبد الطبائع الأربعة الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة.

ومنهم عباد الكواكب السبعة.

ومنهم عباد النور والظلمة.

ومنهم عباد النار.

ومنهم من ترك العبادة أصلا.

ومنهم البراهمة، واليهود، والنصارى ثم المسلمين.

فهؤلاء عشر ملل، بالإضافة إلى عبدة الأوثان، وهم الكفار، هي أصول الملل. 

ثم قال مقررا ومصححا لجميع الملل السابقة :

" فكل هذا الطوائف عابدون لله تعالى، كما ينبغي أن يعبد؛ لأنه خلقهم لنفسه لا لهم، فهم له كما يستحق، ثم إنه سبحانه وتعالى أظهر في هذه الملل حقائق أسمائه وصفاته، فتجلى في جميعها بذاته، فعبدته جميع الطوائف".[12]

إذن هذا هو حقيقة التجلي الذي تحدث عنه ابن عربي وغيره في وحدة الوجود، مآله تصحيح جميع أديان البشرية؛ إذ كان الله تعالى قد أظهر في كل ملل البشر واعتقاداتهم، على اختلاف أنواعها: حقائق أسمائه وصفات. وذلك بتجليه في جميع معبودات البشر، بلا استثناء بذاته، حتى ولو اخترع في هذا العصر معبود جديد لم يكن، فإن الله سبحانه يتجلى فيه بذاته ولا بد؛ إذ هو كل الوجود والوجود هو سبحانه، فمهما عبدت الطوائف ما عبدت من الأشياء، فإنها لم تعبد إلا الله تعالى.

ويجتهد الجيلي في التدليل على أن كل من عبد غير الله، فإنما عبد الله تعالى، فيعلل عبادة كل ملة لمعبودها .

فأما الكفار فإنهم عبدوه بالذات؛ لأنه لما كان الحق سبحانه وتعالى حقيقة الوجود بأسره، والكفار من جملة الوجود وهو حقيقتهم، فكفروا أن يكون لهم رب؛ لأنه تعالى حقيقتهم .

ثم من عبد الوثن، فلسر وجوده سبحانه بكماله، بلا حلول ولامزج، في كل فرد من أفراد ذرات الوجود، فكان تعالى حقيقة تلك الأوثان التي يعبدونها، فما عبدوا إلا الله.

ثم طائفة الطبائعية، فقد عبدوه من حيث صفاته الأربع، فالرطوبة مظهر الحياة، واليبوسة مظهر العلم، والحرارة مظهر الإرادة، واليبوسة مظهر القدرة، وحقيقة هذه المظاهر ذات الموصوف بها سبحانه وتعالى، فلما عين الطبائعيون هذه الحقيقة، وهي اللطيفة الموجودة في هذه المظاهر، عبدوا هذه الطبائع.
وأما الفلاسفة فإنهم عبدوه من حيث أسماؤه سبحانه وتعالى؛ لأن النجوم مظهر أسمائه، وهو تعالى حقيقتها بذاته.

وأما الثنوية فإنهم عبدوه من حيث نفسه تعالى؛ لأنه جمع الأضداد بنفسه، فشمل المراتب الحقية، والمراتب الخلقية، فما كان منسوبا إلى الحقيقة الحقية، فهو الظاهر في الأنوار. وما كان منسوبا إلى الحقيقة الخلقية، فهو عبارة عن الظلمة، فعبدوا النور والظلمة، لهذا السر الإلهي، الجامع للوصفين وللضدين.

وأما المجوس فإنهم عبدوه من حيث الأحدية، فكما أن الأحدية مفنية لجميع المراتب والأسماء والأوصاف، كذلك النار فإنها مفنية لجميع الطبائع بمحاذاتها.

وأما الدهرية فإنهم عبدوه من حيث الهوية، فقال عليه السلام: ( لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر ) [13].

وأما البراهمة فإنهم يعبدون الله مطلقا، لا من حيث نبي، ولا من حيث رسول، بل يقولون إن ما في الوجود شيء إلا وهو مخلوق لله، فهم مقرون بوحدانية الله تعالى في الوجود.

وأما اليهود فإنهم يتعبدون بتوحيد الله تعالى، ثم بالصلاة في كل يوم مرتين.

وأما النصارى فإنهم أقرب من جميع الأمم الماضية إلى الحق تعالى، فهم دون المحمديين، وسببه أنهم طلبوا لله تعالى، فعبدوه في عيسى ومريم وروح القدس، ثم قالوا بعدم التجزئة، ثم قالوا بقدمه على وجوده في محدث عيسى، وكل هذا تنزيه في تشبيه لائق بالجناب الإلهي، لكنهم لما حصروا ذلك في هؤلاء الثلاثة، نزلوا عن درجة الموحدين، غير أنهم أقرب من غيرهم إلى المحمدين؛ لأن من شهد الله في الإنسان، كان شهوده أكمل من جميع من شهد الله من أنواع المخلوقات.

وأما المسلمون فهم خير أمة أخرجت للناس.

والأعجب، وليس بعجب، أنه يرى إبليس يعبد الله تعالى، وأنه لما أمر بالسجود لآدم لم يسجد لكيلا يبذل سجوده لغير الله؛ ولذا سمي إبليس، لأن الأمر التبس عليه، فإنه لو فطن لعلم أن السجود عن أمر الله سجود لله، فلو سجد لآدم، لكان ساجدا لله تعالى، قال:

"لما خلق الله آدم عليه السلام وأمر ملائكته بالسجود له، التبس الأمر على إبليس، فظن أنه لو سجد لآدم كان عابدا لغير الله، ولم يعلم أن من سجد بأمر فقد سجد لله، فلهذا امتنع وما سمي إبليس إلا لنكتة هذا التلبيس الذي وقع فيه فافهم، وإلا فاسمه قبل ذلك عزازيل، وكنيته أبو مرة".[14] 
ويندب على من قيد معبوده في صورة معينة واحدة، ويطلب أن تكون العبادة على الإطلاق لا على التقييد، وأن أهل العبادة المطلقة هو الموحدون الذين ينادون من قريب، أما أهل العبادة المقيدة، فهم المشركون الذين ينادون من بعيد، يقول:

" فما في الوجود حيوان إلا وهو يعبد الله تعالى، إما على التقييد بمظهر ومحدث، وإما على الإطلاق، فمن عبده على الإطلاق فهو موحد، ومن عبده على التقييد فهو مشرك، كلهم عباد الله على الحقيقة؛ لأجل وجود الحق فيها، فإن الحق من حيث ذاته يقتضي أن لايظهر في شيء، إلا ويعبد ذلك الشيء، وقد ظهر في ذرات الوجود".[15]

فحاصل الأمر كما قال ابن عربي في كلمة مختصرة:

-         " فما أحد في العالم إلا على الصراط المستقيم".[16]

سواء في القديم أو في الحديث؛ لأن الوجود كله هو الله، والله تعالى يتنزه عن الضلالة.

هذا الفكر لا يزال حيا، بحياة ابن عربي الفكرية، والعناية البالغة بآرائه حول الوحدة، وليس وحده في هذا، يقول أحمد أمين:

-        " وقد وضع متصوف هندي حديث، مبادئ التصوف في عشرة أصول:

1      - لا يوجد إلا إله واحد، وهو أبدي أزلي، ومهما تعددت الأسماء، واللغات فهو هو، يراه الصوفيون في: الشمس، وفي النار، وفي الأصنام، وفي كل ما يعبد، بل يرونه في أشكال العالم...

    4  - الأديان كلها طرق إلى الله تعالى..". [17]

فقد بني على الاعتقاد بالمعبود الواحد، قول آخر لازم لزوما لا ينفك، هو ما أشار إليه آنفا بالقول: "الأديان كلها طرق إلى الله تعالى". وهذا ما سنذكره فيما يلي.

 

*      *      *

 

2ـ التدين بكل دين.

قالوا: إن المعبود واحد، ولو اختلفت المعبودات. والتدين واحد، ولو اختلفت الأديان.

ترتب على ذلك تجويزهم التدين بأي دين، بل بكل دين، ومن الخطأ أن يحصر الإنسان نفسه في دين واحد، بل الصحيح أن يتدين، ويقبل كل ذلك، وهذا هو حقيقة التوحيد وغيره شرك. يقول ابن عربي:

              لقد صار قلبي قابلا كل صورة      فمرعى لغزلان ودير لرهبان

              وبيت لأوثان وكعبة وطائف وألواح توراة ومصحف قرآن

              أدين بدين الحب أنى توجهت       ركائبه فالحب ديني وإيماني [18]

فكل إنسان عقيدته ما جعله في نفسه، فكل من عبد ما جعله في نفسه فقد أصاب، والحذر من التقيد بدين خاص، فالخير الكثير في الاعتقاد بجميع الملل والعقائد، وقبول جميع المعتقدات دون تفريق، وذلك أن عبادة الله تعالى، لا تنحصر في دين دون غيره، ولو كان الإسلام نفسه، لكونه واسعا.. هكذا يقرر ابن عربي، بل ويستدل عليه بالقرآن، ويقول:

"وبالجملة فلا بد لكل شخص من عقيدة في ربه، يرجع بها إليه ويطلبه فيها، فإذا تجلى له الحق فيها، عرفه وأقر به، وإن تجلى له في غيرها، أنكره وتعوذ منه وأساء الأدب عليه في نفس الأمر، وهو عند نفسه أن قد تأدب معه، فلا يعتقد معتقد إلهاً، إلا بما جعله في نفسه، فالإله في الاعتقادات بالجعل، فما رأوا إلا نفوسهم، وما جعلوا فيها.        

فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص، وتكفر بما سواه فيفوتك خير كثير، بل يفوتك العلم الأمر على ماهو عليه، فكن في نفسك هيولى لصور المعتقدات كلها، فإن الله أوسع من أن يحصره عقد دون عقد، فإن يقول: { فأينما تولوا فثم وجه الله }" . [19]

ولا يبعد عنه ابن الفارض كثيرا، فيقول:

وإن نار بالتنزيل محراب مسجد      فما بار بالإنجيل هيكل بيعة

وإن خر للأحجار في البد عاكف   فلا وجه للإنكار بالعصيبة

      وقد بلغ الإنذار عني من بغى      وقامت بي الأعذار في كل فرقة

وما زاغت الأبصار من كل ملة     وما راغت الأفكار في كل نحلة

  وإن عبد النار المجوس وما انطقت كما جاء في الأخبار في ألف حجة

فما قصدوا غيري وإن كان قصدهم سواي وإن لم يظهروا عقد نية[20]

فنور المحراب بالقرآن فيه، لا يجعل الكنيسة ظلاما إذا تلي الإنجيل فيها، وإن سجود متعبد مترهب في بيوت الأصنام، لا يسوغ الإنكار عليه تعصبا لدين، فالكل معذور في عبادته ولا لوم عليه أبدا، فإنما هو مصيب، فكل من عبد شيئا، سواء كان نارا، أو شمسا، أو حجرا، أو غير ذلك فما عبدوا غير الله، وهو يقول : "فما قصدوا غيري"؛ لأنه يقول بالاتحاد، أنه متحد به سبحانه وتعالى علوا عظيما.

حتى الهروي صاحب المنازل، نقل عنه شيء في هذا، في رباعيات وديوان اسمه: (مناجاة):

-        يقول: " أنا لا أحتاج إلى خمر ولا إلى قدح، إنني سكران بحبك .. أنا أطلبك في الكعبة، وفي بيت الصنم، ولكن ما الكعبة، وما بيت الصنم لي؟"[21].

وقد ذكر أن أبا سعيد بن أبي الخير الخراساني ت 440هـ كان شاعرا فارسيا ولم يكن يحفل بالأديان ولا بالاسلام. [22] 

يقول جلال الدين الرومي، وهو شاعر الصوفية الأول، وهو من الفرس ولسانه فارسي:

" نفسي أيها النور المشرق لاتنأ عني .. حبي أيها المشهد المتألق لاتنأ عني .. انظر إلى العمامة أحكمتها فوق رأسي، بل انظر إلى زنار زرادشت حول خصري .. أحمل الزنار .. وأحمل المخلاة .. لابل أحمل النور، فلا تنأ عني .. مسلم أنا ولكن نصراني وبراهمي وزرادشت .. توكلت عليك أيها الحق الأعلى ، فلا تنأ عني .. لاتنأ عني .. ليست لي سوى معبد واحد .. مسجد أو كنيسة .. أو بيت أصنام ووجهك الكريم فيه غاية نعمتي فلا تنأ عن".[23]

وهذا الفارسي مبجل تبجيلا عظيما عند الصوفية قديما وحديثا. انظر ثناء صاحب كتاب "الحب الخالد" محمد الحجار. [24] 

يقول محمد إقبال عن الصوفي:

-        " متاع الشيخ ليس إلا أساطير قديمة .. كلامه ظن وتخمين

              حتى الآن إسلامه زناري .. وحين صار الحرم ديرا صار هو من براهمته [25]

ويقول محمد بهاء الدين البيطار في كتاب (النفحات القدسية) :

              "وما الكلب والخنزير إلا إلهنا        وما الله إلا راهب في كنيسة"[26] 

نصوص كثيرة، لا تحصر عددا، تجري في هذا المجري، من غير أي احتراز، ولا خشية، بصراحة بالغة، وعبارة واضحة، فهي فكرة ليست وليدة نفسها، بل نتجت عن أصل التصوف، القائل بوحدة الوجود، فهذه نتيجة لازمة، وإبطالها يعني إبطال التصوف نفسه؛ لذا لم يتردد الصوفية في إعلانها، خصوصا المتأخرين منهم؛ إذ لم يعد يتهددهم شيء يخشونه، يحملهم على الكتمان، أو التلميح، فالحرية كاملة، والنفس مضمونة ألا ينالها هتك من قبل الاعتقاد والرأي، فعلى هذا القانون سار المتأخرون من السلاطين، فأفسح لكل ذي رأي أن يبدي رأيه، ولو كان غريبا، أو بدعة من الأمر. بل كان منهم من يذهب هذا المذهب، وينصره، ويحتفي به، وإن كان فيهم من لم يتفطن إلى حقيقة القول.

 

*      *      *

 

3ـ مآل الكل إلى الإيمان والنعيم.

تقرر ما سبق، وكل نتيجة تبنى عليها نتيجة، هي لازمة حتمية، فهو بناء بعضه فوق بعض، وما بني على باطل فهو باطل، كما أن ما بني على حق فهو حق، فهما بناءان كلاهما، إلى جنب بعض، لكن هذا بني على أساس من التقوى والرضى الإلهي، والآخر بني على جرف هار، ينهار به في نار جهنم.

فمن نتائج، القول بأن المحب لايضره ذنب، ولاينتفع بطاعة، يقول ابن عربي:

"هذا ميزان الاعتدال، وهو الميزان الإلهي، لا تؤثر فيه العوارض، ولا يتأثر بالأحوال، المحب الله لا ينتفع بالطاعة، ولا يتضرر بالمخالفة. من أحبه من عباده لم تضره الذنوب".[27]

الانتفاع بالطاعة، والتضرر بالمخالفة يكون إذا كان الدين المطلوب واحدا، أما إذا كانت الأديان كلها واحدة، والاعتقاد جميعه بلا استثناء واحد، فحينئذ لا يقال هذا عاصي باعتقاده، وهذا طائع باعتقاده، فالكل طائع وموافق.

ذلك في باب الاعتقاد، فماذا عن العمل، أليس ثمة أعمال محرمة في كافة الأديان الوضعية منها وغير الوضعية، كالقتل، والزنا، والسرقة، والخمر، والاستيلاء على الأموال ؟.

إن ابن عربي – وغيره – يرى الدين ما كان بالجعل، فكل ما جعله المرء دينا فهو دين، وهو حق، وهو صواب، وعليه: فمن جعل دينه القتل، والعدوان، وفعل الفواحش. فيلزم أن يكون صحيحا؛ فكل ما في الكون صواب، لأنه من عند الله، ولأن الفاعل هو الله تعالى علوا. هكذا يؤول كلامه إلى تصحيح كل بلية وشر في العالم، ويكون المقصود بالمخالفة هنا في كلامه، كل أنواع المخالفات، العقدية منها أو العملية.

وهذا يهود، في دينهم، قتل، وسرقة غير اليهودي، والزنا بغير اليهودية، وفعل كافة المحرمات مع من يسمونهم بالجويم. وهذا دينهم، وهو يقولون: إنهم محبون لله، وهم شعبه المختار.

لم يكن لمذهب ابن عربي إلا أن يصل إلى توثيق إيمان كل أتباع الأديان، وتبشيرهم بالنجاة، فإنه لما كان الكل عابدا لله تعالى، فإن الكل مآله إلى الإيمان، يقول:

" فقد بان لك عن الله تعالى أنه في أينية كل وجهة، وما ثم إلا الاعتقادات، فالكل مصيب، والكل مأمور، وكل مصيب مأجور وسعيد، وكل سعيد مرضي عنه، وإن شقي زمانا في الدار الآخرة، فقد مرض وتألم أهل العناية مع علمنا بأنهم سعداء، وأهل حق في الحياة الدنيا".[28]

شرح كلامه: أن ما يصاب به الكفار في الآخرة من العذاب، الذي تحدث عنه القرآن، لا يعني أنه مغضوب عليهم، باقون في العذاب أبدا، بل ما يصيب الكافر من عذاب النار، هو من جنس ما يصيب المؤمن في الدنيا تمحيصا وتنقية، غاية الأمر أن المؤمن يعذب في الدنيا بالمصائب، والكافر في الآخرة يعذب في النار، وعذابه من جنس العذاب العام؛ الذي ينال جميع البشر، من مرض وفقر وموت ونحو ذلك، ولا فرق بين العذابين، إلا أن هذا في الدنيا، وهذا في الآخرة .

ومن ثم يذهب أن أهل النار، إذا عذبوا زمانا، فإنهم يتنعمون فيها بقية الزمان، وهو بذلك يحاول الجمع بين فكره القاضي بنجاة الكافرين، وحكم القرآن عليهم بالعذاب في الجحيم.

هذه تسوية ظاهرة بين المؤمنين والكافرين، والله تعالى يقول:

-        {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} [ص~28].

-        {وما يستوى الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون} [فصلت 58] .

-        { لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون} [الحشر20].

-        {أفنجعل المسلمين كالمجرمين * ما لكم كيف تحكمون} [القلم 35].

حتى الجيلي قال مثل هذا عن أصول الملل:

" هم الكفار والطبائعية والفلاسفة والثانوية والمجوس والدهرية والبراهمة واليهود والنصارى والمسلمون، وما ثم طائفة من هذه الطوائف إلا وقد خلق الله منها ناسا للجنة وناسا للنار".[29]

فساوى بين الإسلام وغيره من الأديان والملل، في كون الأتباع من جميعها - بما فيها الإسلام - منهم من يكون في النار، ومنهم يكون في الجنة، وهذا على أساس الوحدوية الدينية؛ إذ كان مآل الكل إلى الرحمة، حتى الذين في النار، كالذين في الجنة.

ومن طريقة ابن عربي تنويع طرق الاستدلال لمذهبه، فهو يزعم أن المشركين في الآخرة أشد حبا لله تعالى للآية: {والذين آمنوا أشد حبا لله} [البقرة165]، وذلك بعد أن يجتمع حبهم، الذي كان منقسما في الدنيا بين كثيرين، يقول:

"فلا يبقى مع المشركين يوم القيامة إلا حبهم لله خاصة، فإنهم في الدنيا أحبوه، وأحبوا شركاءهم على أنهم آلهة، ولولا ذلك التوهم والغلط ما أحبوهم، فكان محبوبهم الألوهة، وتخيلوها في كثيرين، فأحبوه وأحبوا الشركاء، فإذا كان في القيامة، كما ذكرنا، لم يبق عندهم سوى حبهم لله تعالى، فكانوا في الآخرة أشد حبا لله منهم له في الدنيا؛ لكون حبهم كان منقسما، فاجتمع عليه في الآخرة، لما لم يعاين محبوبه، وهو الألوهة إلا فيه خاصة، فلذلك كان سبق الرحمة وقوة الطرفين، وضعف الواسطة بما فيها من الشركة".[30]   

بعد أن يثبت للمشركين أشد المحبة لله تعالى، لكن في الآخرة، بعد أن تجتمع له محبتهم، يظهر برأيه في مآلهم في الآخرة؛ أنها الرحمة والسعادة، وليس العذاب والشقاء، كما نقرأ دوما في الكتاب، وفي سور وآيات كثيرة، يقول:

" ولما سبقت المحبة، وحقت الكلمة، وعمت الرحمة، وكانت الدنيا دار امتزاج وحجاب بما قدره العزيز العليم، خلق الآخرة ونقلنا إليها، وهي دار لا تقبل الدعاوي الكاذبة، فأقر الجميع بربوبيته هناك، كما أقروا بربوبيته في قبضة الذر من ظهر آدم.

فكنا في الدنيا وسطا بين طرفين، طرفي توحيد وإقرار، وفي الوسط وقع الشرك مع ثبوت الوجود، فضعف الوسط، ولذلك قالوا: { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر3]، فنسبوا العظمة والكبرياء إلى الله في شركهم.

ثم أخبر تعالى أنه طبع قلب كل من ظهر في ظاهر لقومه بصفة الكبرياء والجبروت، وما جعل في قلوبهم بسبب طابع العناية، فهم عند نفوسهم بما يجدونه من العلم الضروري أذلاء صاغرين، لذلك الطابع، فما دخل الكبرياء على الله قلب مخلوق أصلا، وإن ظهرت منه صفات الكبرياء، فثوب ظاهر لابطانة له.                                                                                   وهذا كله من رحمته ومحبته في خلقه؛ ليكون المآل إلى السعادة، فما ضعف الوسط وتقوى الطرفان، غلب في آخر الأمر، وامتلأت الداران، وجعل في كل واحدة منهما نعيما لأهلها، بعدما طهرهم الله بما نالوه من العذاب لينالوا النعيم على طهارة، ألا ترى المقتول قودا، كيف يطهره ذلك القتل من ظلم القتل، الذي قتل من قتل به، فالسيف محاء، وكذلك إقامة الحدود في الدنيا، كلها تطهيرا للمؤمنين، حتى قرصة البرغوث والشوكة يشاكها، وثم طائفة أخرى تقام عليهم حدود الآخرة في النار، ليتطهروا، ثم يرحمون في النار، لما سبق مع عناية المحبة، وإن لم يخرجوا من النار ". [31]

يقول: " وأما أهل النار فمآلهم إلى النعيم، ولكن في النار؛ إذ لا بد لصورة النار بعد انتهاء مدة العذاب، أن تكون بردا وسلاما على من فيها، وهذا نعيمهم  فنعيم أهل النار، بعد استيفاء الحقوق، نعيم خليل الله، حين ألقي في النار".[32] 

وله طريقته في الجدل للاقناع بفكرته، حيث يتذرع بالمسلمات، ويتوصل بما هو بالمحكمات، لا يختلف عليها، لدلالة النصوص الظاهرة عليها: إلى مذهبه في وحدة الأديان، بالتسوية بين الأديان في الصحة وبتحصيل الفلاح والنجاة في الآخرة.

ينتقل من المسلّم المحكم إلى بطريقة ذكية وخطيرة للغاية، لا يفطن إليها إلا العالم والمدقق المحقق، إذ يجعله أمام نتيجة محسومة في وهمه، بحسب ما تدرجه به من الدلائل، فلا يملك أمامها إلا التسليم؛ إذ يقع في وهمه أن رفض تلك النتيجة، هو بالضرورة رفض لمقدماته المسوقة، والتي هي محكمة، فيعز عليه رفض المحكم، خشية على دينه، ليجد نفسه قد أقر بنتيجة لم يعتد عليها، هجمت عليه بعد استدراج، فانظر ما يقول:

"ينبغي للإنسان الطالب مقام الخلة أن يحسن عامة لجميع خلق الله؛ كافرهم ومؤمنهم، طائعهم وعاصيهم، وأن يقوم في العالم مع قوته مقام الحق فيهم، من شمول الرحمة، وعموم لطائفه، من حيث لا يشعرهم أن ذلك الاحسان منه، ويوصل الإحسان إليهم من حيث لا يعلمون، فمن عامل الخلق بهذه الطريقة، وهي طريقة سهلة، فإني دخلتها وذقتها، فما رأيت أسهل منها، ولا ألطف، وما فوق لذتها لذة.

فإذا كان العبد بهذه المثابة صحت له الخلة، وإذا لم يستطع بالظاهر لعدم الموجود أمدهم الله بالباطن، فدعا الله لهم في نفسه بينه وبين ربه، هكذا تكون حالة الخليل، فهو رحمة كله، ولولا الرحمة الإلهية ما كان الله يقول: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها }، وما كان يقول: { حتى يعطوا الجزية }، أليس هذا كله إبقاء عليهم؟.                                         ولولا ما سبقت الكلمة، وكان وقوع خلاف المعلوم محالا، ما تألمت ذرة في العالم.  

فلا بد من نفوذ الكلمة، ثم يكون المآل للرحمة، التي وسعت كل شيء، فهو في الدنيا يرزق مع الكفر، ويعافي ويرحم، فكيف مع الإيمان والاعتراف في الدار الآخرة على الكشف، كما كان في قبض الذرية ؟، فعقابهم وعذابهم تطهير وتنظيف، كأمراض المؤمنين، وما ابتلوا به في الدنيا من مقاساة البلايا، وحلول الرزايا مع إيمانهم، ثم دخول بعض أهل الكبائر النار مع إيمانهم وتوحيدهم، إلى أن يخرجوا بالشفاعة، ثم إخراج الحق من النار من لم يعمل خيرا قط، حتى الساكنين في جهنم لهم فيها حال يستعذبونها، وبهذا سمي العذاب عذابا".[33]  

                              

المقدمات التي ذكرها، متفق عليها، لا يختلف فيها، وهي:

المقدمة الأولى: الإحسان إلى جميع الخلق؛ مؤمنهم وكافرهم، ظاهرا وباطنا.

المقدمة الثانية: أن الله تعالى لم يقصد إلى إفناء الكافرين، بل بقاءهم، لتحقيق حكمة الخلق.

المقدمة الثالثة: أن الرحمة الإلهية وسعت كل شيء.

المقدمة الرابعة: أن الله تعالى يرزق في الدنيا، حتى مع الكفر.

المقدمة الخامسة: أن العقوبات الدنيوية تطهير وتنظيف، كالأمراض تصيب المؤمنين.

المقدمة السادسة: أن أهل الكبائر من الموحدين، وكذا من لم يعمل خيرا قط، مع توحيد وإيمانهم، ثم يخرجون بالشفاعة.

يتوصل ويتذرع بكل سبق للنتيجة الأخيرة، وهي:

"حتى الساكنين في جهنم لهم فيها حال يستعذبونها، وبهذا سمي العذاب عذابا".

فلسان حاله يقول: من سلم بها، فعليه أن يسلم بهذه. وإلا فهو منكر لتلك المقدمات، مع كونها أصولا في الدين.

وتلك المقدمات في جملتها وعمومها صحيحة، لكنه أدخل في بعض ما ظن أنه يمكن أن يسوق، ويبرر، ويعين على النتيجة الأخيرة، مثل الرابعة، فالله تعالى يرزق مع الكفر، لكن ليس للمعنى الذي أورده فحسب، وهي الرحمة، بل لمعنى آخر كذلك رئيس، مذكور في القرآن، لم يذكره وما كان ليذكره؛ لأنه يبطل ما قرره وأصّله، وهو قوله تعالى:

-        {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد * متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد} [آل عمران 196].

-        {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين} [ آل عمران 178].

-        {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} [الأنعام 44].

فهذه العلة القرآنية المذكورة، والتي لم يلتفت إليها، هي بيان استدراج الله تعالى الكافرين بالنعم، ليكون سببا في شدة عذابهم في الآخرة {ليزدادوا إثما}، وليس إنعامهم إياهم، ليكون سببا في رحمته إياهم في الآخرة.

فانظر إلى هذا التلبيس الدقيق من ابن عربي، كيف ترك العلة الحقيقية للإنعام، وجنح إلى ما يحرك العواطف، ويدغدغ المشاعر بالتركيز على عظم الرحمة الإلهية، ليتوصل منها إلى نفي عذاب الكافرين في الآخرة.

وفي المقدمة الخامسة، قرر أن العقوبات تطهير، وهو حق لكن في حق المؤمنين، أما الكافرين، فليست في حقهم تطهيرا ما داموا كافرين، بل زيادة في العذاب في الأولى والآخرة، جزاء كفرهم، يقول الله تعالى:

-        {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون} [التوبة 55].

-        {فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا} [ النبأ30].

-        {والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا لا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور} [فاطر36].

فتلبيسه هنا، هو أخذ ما هو من خصائص المؤمنين، وهو التكفير والتطهير بالعقوبات، وإنزاله على الكافرين، ليكون ما يصيبهم في الآخرة من العذاب تطهيرا، ينالون به الرحمة.

هذه طريقة ابن عربي، في تقريره عقيدته ومذهبه في الوحدة، سواء الوجود أو الأديان.

 

والجيلي يكرر ذات الفكرة، مع التنويه أن الموحدين في سعادة مستمرة، لا شقاء فيها، لكن أهل النار ينالون الشقاء، كما ينالون السعادة، وهي فكرة تقدمت عند ابن عربي، يقول:

" وكل هذه الأجناس السابقة، لما ابتدعوا هذه التعبدات من أنفسهم، كانت سببا لشقاوتهم، ولو آل بهم الأمر إلى السعادة، فإن الشقاوة ليست إلا ذلك البعد الذي يثبتون فيه، قبل ظهور السعادة فهي الشقاوة.

وأما من عبد الله على القانون الذي أمره به نبيه كائنا من كان من الأنبياء فإنه لايشقى، بل سعادته مستمرة تظهر شيئا فشيئا".[34]  

ويفسر قوله تعالى : { كل حزب بما لديهم فرحون } [الروم32]، بأن ذلك في الدنيا والآخرة، على أساس أنهم ينعمون في الآخرة، ولو دخلوا النار، ويكون العذاب لذة عليهم، بحيث يعشقه الجسد، حتى لا يضطر إلى دعاء الله يخفف عنه، فإن إذا خفف عنه ذهبت اللذة، وإذا ذهبت اللذة اضطر إلى دعاء الله، يقول:

" ولهذا لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، بعد اطلاعهم على ما ينتجه من العذاب، لما وجدوه من اللطيفة الملذوذة في ذلك، وهي سبب بقائهم فيه، فإن الحق تعالى من رحمته إذا أراد أن يعذب عبدا بعذاب في الآخرة، أوجد له في ذلك العذاب لذة غريزية، يتعشق بها جسد المعذب؛ لئلا يصح منه الالتجاء إلى الله تعالى، والاستعاذة به من العذاب، فيبقى في العذاب ما دامت اللذة موجودة له، فإذا أراد الحق تخفيف عذابه، أفقده تلك اللذة فيضطر إلى رحمة الله، وهو تعالى يجيب المضطر إذا دعاه، فحينئذ يصح منه الالتجاء إلى الله تعالى والاستعاذة به، فيعيذه الحق من ذلك، فعبادة الكفار له عبادة ذاتية".[35] 

إذن هذ      ا هو تفسير قوله تعالى: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه..} [الأنعام28]، أنهم يعودون إلى الكفر، لما وجدوه من لذة العذاب في النار..

وقد كنا نظن، أنهم يعودون بسبب تأصل الشقاء فيهم، والكفر بالله تعالى، فما أعظم هداية الخلق على يدي الجيلي ؟!!.

ثم يبين أن المعذب في النار، كان بعيدا في الدنيا في طريق الضلال، وبعد خوضه طباق النار جميعها، جزاء خوضه طباق الدنيا، يقطع طريقه إلى الله تعالى، وينادى من بُعد، فيفوز بما فاز به المقربون، من أول قدم؛ لأنهم نودوا من قرب.

وبذلك يتقارب مع ابن عربي في حكمه بالسعادة على فريق النار، وأنهم إذا عذبوا فإن عذابهم يكون لذة، وإن كانوا ربما نالوا شيئا من الشقاوة، لكنهم يؤولون إلى السعادة، إلا أن الفارق بين فريق الجنة وفريق النار، أن الأولين نودوا من قرب، وأما الآخرون نودوا من بعد؛ لأنهم خاضوا في الدنيا؛ وما وحدوا وعبدوه في الكل.[36]

فإذا كان هذا حال الكافرين، فما حال رأسهم إبليس إذن ؟.

هو يذهب إلى أن إبليس – كذلك - يدخل تحت تلك الرحمة، ويكون منعما لا معذبا، ويستدل على ذلك بقوله تعالى: { وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين } [ص~78]، بأنه إذا انقضى يوم الدين فلا لعنة عليه، فاللعنة حددت بإلى يوم الدين، وإما بعدها فلا، بل هو في نعيم دائم!!.[37] 

حتى فرعون لقي منهم رحمة، حيث قال جلال الدين الرومي عنه:

"وبرغم ذلك لا يمكن نفي العناية عن فرعون جملة، فربما تكون للحق تعالى به عناية خفية، رادا إياه من أجل مصلحة ما؛ لأنه لا بد للملك من القهر واللطف، والخلعة والسجن، الإثنين معا. وأن أهل القلوب لا ينفون عن فرعون العناية نفيا كليا، أما أهل الظاهر فيعدونه مردودا تماما، وذلك مفيد من أجل قوام الظاهر".[38]

 

*      *      *

 

 

الخاتمة

وفيها أبرز النتائج، والتوصيات:

1-            أن الباحثين والمفكرين المختصين بالتصوف لفت نظرهم: وجود فكرة وحدة الأديان في بنية الفكر الصوفي.

2-            هؤلاء الباحثون مختلفوا المشارب، فمنهم حاد النقد، ومنهم معتدل الناقد، وذوالاتجاه التحليلي والتصويري، والاستشراقي، والفلسفي الغربي.

3-            أن تأصيلات الفكر الصوفي كانت سببا رئيسا في الميل إلى القول بوحدة الوجود.

4-            تلك التأصيلات تمثلت فيما يلي:

-        القول بوحدة الوجود.

-        القول بالحب الأزلي.

-        تقديم الربوبية على الألوهية مطلقا.

-        اعتناق مذهب الجبر.

-        رأي الفكر الصوفي في الرضا.

5-             أن المتصوفة استعملوا تلك التأصيلات في تقرير فكرة وحدة الأديان.

6-            ذلك التقرير تمثل فيما يلي:

-        القول بأن المعبود واحد، مهما اختلفت صوره.

-        القول بجواز التدين بكل دين وملة، ما دام أن المعبود في جميعها واحد.

-        أن مال جميع البشر؛ مؤمنهم وكافرهم، إلى الإيمان والنعيم في الآخرة.

7-            كان لهذه التأصيلات وتقريراتها أثر واضح في موقف الصوفية من الشريعة والجهاد.

8-             أظهر جمع من الباحثين والمفكرين عناية بفكر ابن عربي، خصوصا ما يتعلق برؤيته حيال فكرة وحدة الأديان.

9-            يعتقد هؤلاء الباحثون: أن هذه الفكر الصوفي، المتمثل في تسامحه المطلق مع سائر الأديان، الذي يرى التساوي بينها، بديلا للفكر السلفي الذي يقسم العالم إلى فريقين: مؤمنين وكافرين.

10-      وجود هذه الفكرة في التصوف، لا يلزم عنها اعتقاد كل متصوف بوحدة الأديان؛ إذ من المعلوم أن المتصوفة على درجات، فليس كلهم متحققون بالتصوف، من أجل ذلك: وجد في المتصوفة مجاهدون.

11-      المبالغة في فكرة التسامح والرضا، قد يجر إلى الوقوع في تصحيح الأديان؛ لذا ينبغي وضع خط فاصل بين التسامح والتصحيح.

بعض التوصيات:

12-      من المهم بيان حقيقة الفكر الصوفي حيال الأديان، ولعل هذه الدراسة نواة وبداية لدراسات أخرى، متعددة ومتنوعة، لحاجة الفكر المعاصر لمثل هذه الدراسات؛ ليكون لها دور في التصحيح.

13-      المنهج العلمي يقتضي ترك المجاملة العلمية، وبيان النتائج كما هي؛ لما في ذلك من خدمة للحقيقة، وقد درس مستشرقون قضية وحدة الأديان في التصوف، بطريق البحث العلمي المجرد، فكانت نتائجهم موافقة للواقع.

14-      من الدراسات المرتبطة بهذه الدرجات: موقف الصوفية من الجهاد، وموقفهم من الشريعة.[39] فهذا مجالان رحبان لباحث دقيق، يعطي كل: نص، وخبر، ومقالة، وموقف. حقه من التحليل والدراسة، لتعطي النتائج الدقيقة.

15-      خدمة للحقيقة، يجب أن يكون البحث موضوعيا، بعيدا عن تناول الأشخاص بالحطّ والتنقص، بل تعطى الفكرة حقها من الوصف والتحليل والنقد، المبني على مصادر الشريعة.

16-      إقامة مؤتمرات في بيان حقيقة موقف التصوف والمتصوفة من وحدة الأديان مطلب ملح، لكافة المراكز العلمية في العالم الإسلامي، تجلية للواقع.

 



[1]-  انظر: نشأة التفكير الفلسفي 3/179.

[2]-  اللمع 473.

[3]-  يشير إلى نص الأثر الوارد عند أبي داود وغيره عن ابن عمر، وتمامه: (إن مرضوا فلا تعودهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم". حسن الألباني في صحيح الجامع الصغير رقم 4442.

[4]-  أخبار الحلاج ص126.

[5]-  انظر: نقلا عن: "التصوف نشأتها وتطورها"، المقال الذي كتبه جهاد فاضل في مجلة الحوادث/عدد1420.

[6]-  رواه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب: تحريم الكبر وبيانه، عن ابن مسعود 1/93.

[7]-  رواه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب: سؤال جبريل، من حديث عمر 1/27.

[8]-  الفتوحات المكية 2/345.

[9]-  الفتوحات المكية 2/326.

[10]-  ص153-154.

[11]- رواه البخاري في صحيحه، في القدر، باب: جف القلم على علم الله، عن عمران بن حصين 6/2434.

[12]-  الإنسان الكامل 2/119.

[13]-  رواه مسلم في صحيحه، كتاب: الألفاظ من الأدب، باب: النهي عن سب الدهر، عن أبي هريرة4/1763.

[14]-  انظر: الإنسان الكامل 2/61.

[15]-  الإنسان الكامل 2/124.

[16]-  فصوص الحكم 2/158.

[17]-  ظهر الإسلام 2/79، وقد ترجمها أحمد أمين من الإنجليزية.

[18]-  ترجمان الأشواق 43.

[19]-  فصوص الحكم 113.

[20]-  ديوان ابن الفارض67.

[21]-  انظر: التصوف في الاسلام ص112 نقلا عن Rempis4,  12.

[22]-  المرجع نفسه ص77 نقلا عن Enc .  Is1 . I  104.

[23]- الصوفية الوجه الآخر ص،43 وانظر: الصوفية نشأتها وتطورها ص60 نقلا عن مجلة العروة الوثقى عدد 61لعام 1403هـ، وانظر هذا النص كذلك في: ظهر الإسلام 2/66.

[24]-  ص 19.

[25]-  الصوفية نشأتها وتطورها ص55، نقلا عن ديوان أرمغان حجاز ص130، تحقيق د. سمير عبد الحميد.

[26]-  الصوفية الوجه الآخر ص27.

 

[27]-  الفتوحات المكية 2/359.

[28]-  مصرع التصوف ص100.

[29]-  الإنسان الكامل 2/122.

[30]-  الفتوحات المكية 2/336-337.

[31]-  الفتوحات المكية 2/328-329.

[32]-  فصوص الحكم 159.

[33]-  وانظر ما نقله عنه في التصوف في الإسلام ص176.

[34]-  الإنسان الكامل 2/126.

[35]-  الإنسان الكامل 2/123.

[36]-  الإنسان الكامل 2/123.

[37]-  انظر: الإنسان الكامل 2/62، وانظر: 2/51-54.

[38]-  كتاب فيه ما فيه ص253.

-[39] لتقصي هاتين القضيتين راجع: حاضر العالم الإسلامي، شكيب أرسلان 2/164، 172، التصوف في الإسلام، عمر فروخ  ص9-10، التصوف بين الحق والخلق، محمد فهر شقفة ص211، البريليوية، إحسان إلهي ظهير ص40، الوجه الآخر، محمد جميل غازي ص110، الإنسان الكامل في الفكر الصوفي، لطف الله خوجه ص99.


المرفقات

  • {{__('blog.Noattachements')}

Comments

ep

epigiraxisuq

منذ سنة

http://slkjfdf.net/ - Uotaqaw <a href="http://slkjfdf.net/">Soqororib</a> vmn.unst.taseel-edu.com.pek.zq http://slkjfdf.net/

Leave a comment

Blog categories

عربة التسوق

Loading...