الأنبياء إخوة لعلات

بسم الله الرحمن الرحيم    

 

جاء في الصَّحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم عن سبب صيامهم له، فذكروا له أنه يومٌ عظيمٌ أنجى الله فيه موسى عليه السلام وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى عليه السَّلام شكرًا لله تعالى، وأنهم يصومونه اقتداءً بموسى عليه السلام واتباعًا لسنَّته، فردَّ عليهم النبي صلى الله عليه بقوله: "فنحن أحقُّ وأولى بموسى منكم"، فصامه وأمر بصيامه.

وفي هذا الموقف من النبي صلى الله عليه وسلم معنًى جليل؛ وهو ترسيخُ الصِّلة بين الأنبياء عليهم السلام، وأنهم أمَّةٌ واحدةٌ متَّصلة على مدار التَّأريخ، وأنَّ كلَّ نبيٍّ فإنما يبعثه الله تعالى ليجدِّد للنَّاس الدِّين الحقّ الذي أراد أن يبقى الناس عليه، لكن الناس كانوا ينحرفون في كل مرة عن كلِّ هدي يأتي به أنبياء الله تعالى.

ولهذا لما ذكر الله في سورة الأنبياء جملةً من قصص الأنبياء وما حصل لهم مع أقوامهم ختم الله ذلك بقوله تعالى: {إِنَّ هَـٰذِهِۦۤ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةࣰ وَحِدَةࣰ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ}، وقد نقل الإمام ابن كثير عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنهم فسروا معنى: "إن هذه أمتكم أمة واحدة" بأن المقصود به: أن دينكم دين واحد.

 وفي تفسير الآية يقول الشَّيخ السعدي رحمه الله: (لما ذكر الله الأنبياء عليهم السلام قال مخاطبًا للناس: "إن هذه أمتكم أمة واحدة"، أي: هؤلاء الرسل المذكورون هم أمتكم وأئمتكم الذين بهم تأتمُّون، وبهديهم تهتدون، كلهم على دين واحد وصراط واحد...).

والمقصود هنا: أنَّ الحكمة فيما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم اليهود حين سألهم عن صيام يوم عاشوراء ليست محصورة في حُكمِ صيام هذا اليوم، وإنما هي مع ذلك تأكيد لأمرٍ أعمّ وأَعظَم، وهو بيان أنَّ اليهود قد انحرفوا عن هدي نبيهم موسى عليه السلام، وأنهم وإن أصابوا في تمسُّكهم بما بقوا عليه من متابعتِه على هذه السُّنة إلا أنهم لا يَستحقُّون أن يكونوا هم وَرَثةَ الدّين الحقّ الذي جاء به عليه السلام، وأن هذه الأمة هي الوارثة الوحيدة للدِّين الذي تتابع الأنبياء كلهم على العمل به والدعوة إليه، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم وأمَّتُه معه هم أحقُّ وأولى بموسى من قومه الذين خالفوه وحرَّفوا الدِّين الذي جاء به.

وهذا المعنى يُرسِّخ في نفس المسلم الشُّعورَ بالمكانة والمنزلة العالية التي أكرمهُ الله بها؛ حيث هداه إلى دينِ الأمَّة الواحدة عبر التَّأريخ، وأنه فرد من تلك الأمة التي اختصَّها الله تعالى برحمته وهدايته بين أممٍ كثيرة ضلَّت وانحرفت عن طريق الهداية؛ سواء كان ضلالها بسبب انحرافها عما جاءت به أنبياؤها، أو كان بسبب اكتفائهم بعقولهم القاصرة عن الوحي المعصوم الذي بعث به الأنبياء.

وإنك لتَأسَى على قومٍ انحرفوا عن هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وسنَّتِه، وجعلوا يوم عاشوراء يوم حُزنٍ وتطبِير وضربٍ للظُّهور بالسلاسل ولطمٍ للخدود! وأما ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من صومه فينهون عنه، فكان لهم بذلك حظٌّ من انحراف الأمم السابقة عن هدي أنبيائهم([1]).



([1]) المصدر: قناة التلغرام للأستاذ الدكتور عبدالله القرني بتاريخ 8/8/22  ٠٢:٠٦م.


المرفقات

  • {{__('blog.Noattachements')}

Comments

Leave a comment

Blog categories

عربة التسوق

Loading...