. 19 سبتمبر, 2022, 1:21 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
لكل عصرٍ قضاياهُ ونوازلُهُ وإشكالاتُه، ومَن آتاهُ اللهُ الحكمةَ من أهل العلم لم يُشغل نفسه بنَوازِل وإشكالاتٍ عَفَى عليها الزمن، وأصبحت خبرًا في التَّأريخ، وإنما يُوجِّه اهتمامه لما يجب على أهل العلم بيانُه من نوازل عصره؛ لأن الغاية من العلم إنما هي هدايةُ الناس وبيانُ الحق الذي جاء به الوحي على أتمّ وجه، ودفع ما قد يطرأ عليهم من شُبهات، وحل ما ينزل بهم من نوازل، لا كفعل بعض المنتسبين للعلم الذين لا يزيد طلبُهم للعلم ونشره بين الناس عن وظيفة المسجِّل، يحفظ من هنا ويفرِّغ من هناك دون أن يكون عنده معيارًا يميِّز به بين ما يناسب عصرَه وما لا يناسبُه.
ويعظُم الخطبُ عندما تجد من يَعرف إشكالاتِ عصرِه ونوازِلَه، ويكون مع ذلك مُزجَي البضَاعة من العلم الصحيح، أو يكون صاحبَ هوى، ويخاطبُ الناس بما يخترعُه من الآراء الشاذَّة لحلِّها، فيكون سببًا لانحراف كثير من النّاس الذين لم يجدوا من يُخاطبهم بما يُبيّن الموقف الشّرعي لنوازلَ عصرِهم، ومع ذلك فكثير من النّاس يظُنّون أنّ هذا الجاهل أو المنحرف هو الذي سيجدون عنده حلَّ إشكالاتهم والإجابةَ عن أسئلتهم وشكوكهم، وهذا واقع مشاهد لا يحتاج إلى ذكر أمثلة لشهرته وظهوره.
يُمكن أن تَبقى بعضُ القضايا التي تَجاوَزها الزَّمن محلًّا للدراسة؛ لكن عند المتخصصين، وألَّا تكون مما يَشيع ويُنشر مع إهمال واجب الوقت، ولا إشكال في أن يستفاد من الميراث العلمي للأمَّة في جميع المجالات، لكن مع مُراعاة التَّمييز بين ما تترسَّخ به مَلَكةُ البحث ومناهجُ النَّظر وبين الوقوف عند قضايا لم يعد لها وجود، مما يكون سببًا لافتعال معارك وهميَّة، تكون عائقًا عن الاجتهاد في حلِّ القضايا الحادثة، بحجَّة المحافظة على تراث الأمة.
هناك فرقٌ بين أن تتعلَّم من السَّابقين كيف صنعوا قناديل أضاؤُوا بها طُرُق الجهالة في عصورهم؛ لتصنع أنت قنديلًا يناسبُ عصرك، وينيرُ طُرق الجهالة فيه، وبين أن تسلك بقندِيلك طُرقًا لم يعد يُوجد فيها إلا الأَشباح، وتتوهَّم مع ذلك أنك وريثُ الأنبياء والعلماء، وهيهات أن تكون كذلك، ولا أن يهتدي بك غيرك وأنت لم تعرف كيف تسلك طريق الهداية لنفسك([1]).